إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 26 أكتوبر 2015

الفلسفة الحديثة


v   المحور الثاني : محطات من تاريخ الفلسفة

                        الفلسفة الحديثة (نظرية المعرفة)

                            تقديم

إن السمة التي يتميز بها التفكير الفلسفي الحديث، تكشف عن إرادة فهم طبيعة المعرفة وطريقة التفكير لدى الإنسان، لذلك فليس ثمة ما يثير الدهشة حين نجد فلاسفة النهضة يدعون لتحرر و الاستقلال التفكير لدى الكائن البشري من أجل إطلاق عنان الفكر عن أي سلطة أو وصاية ...

ورغم أن القرون الميلادية الثلاث (16/17/18) قد شهدت تغييرا على جل الأصعدة، فإن العقل و قدرته على المعرفة أخذت الشأو الأهم، فسؤال الوعي بالذات وقدرة هذه الأخيرة على معرفة ذاتها والعالم كان من أهم الإشكالات التي عنت بها المدارس الفلسفية الحديثة التي حاولت بدورها الخروج عن الإطار التقليدي السائد آنذاك.

فما أسس التفكير الفلسفي لهذه المدارس؟ وكيف كانت تنظر للوعي باعتباره معرفة أولية للذات؟ وبأي منهج كانت تتوسل في تحصيل المعرفة سواء تعلق الأمر بالمعرفة الداخلية الباطنية للذات أو للعالم الذي يمثل موضوعا خارجيا ؟  

φ                  معالم التفكير الفلسفي الحديث

من العسير الكشف عن طبيعة تفكير إنسان ما بسبب الطباع المختلفة التي عادة ما يكون الفكر الحقيقي مختفيا تحتها، بيد أننا إذا استخدمنا الاستكناه الباطني (التفكير الداخلي)زالت كل صعوبة ظاهرة،  وستوضح تجربة أو اثنتان أن مقاييس التقويم لفكر إنسان هي أولا الصور الذهني التي تمرن عليها نفسها؛ وثانيا ضروب الأحاسيس والمشاعر المتعلقة بهذه الصور الفكرية؛ وأخير القدرة العقلية التي تجعل منا نستطيع ربط القرائن العقلية بنجاح أكبر.

                                                 I.                المدرسة العقلانية

لعل فلسفة ديكارت (1595- 1650) جاءت بنفحة جديدة ومغاير للفلسفة المدرسية في عصره ، فثورته على المنطق الأرسطي والعلم الطبيعي الذي نادى به أرسطو، فضلا عن نقده للفلسفة المسيحية التي كانت سائدة في أيامه ، والتي كان يعتبرها امتدادا للفلسفة الأرسطية، جعلت منه " مؤسس الفلسفة الحديثة ".

لقد عنى بالتفكير وبطريقة تعلمه من خلال وضع منهج يسير، يمنح المرء استقلالية الحكم على الأمور والتمييز بين المعارف الحقة و الزائفة.

·      قواعد منهج التفكير

تتمثل قواعد المنهج الديكارتي في أربعة قواعد، يقول عنه ديكارت(1595- 1650): " إنها قواعد وثيقة سهلة تمنع مراعاتها الدقيقة من أن يأخذ الباطل على أنه حق، وتبلغ بالنفس إلى المعرفة الصحيحة بكل الأشياء التي تستطيع إدراكها، دون أن تضيع في جهود غير نافعة، بل هي تزيد في ما للنفس من علم بالتدريج". وهي على التوالي:

1)                       قاعدة اليقين أو البداهة

ومعناها ألا نثق في شيء ما أو نقبل به على أنه صواب،إلا بعد أن نعمل ذهننا في كل الأفكار التي نمتلكها.سواء كان امتلاكنا لها حاصلا عن طريق الوراثة أو الاكتساب، حتى لا يبقى في عقولنا إلا الأفكار التي يسلم بها العقل السليم. ولا يمكن أن يشك بها أو يرفضها، والوسيلة إلى ذلك ممكنة، وهي تكون في مراعاة ثلاثة مبادئ:

أ‌)                     تجنب التسرع في الأحكام

ب‌)                 عدم الميل مع الهوى

ت‌)                 عدم قبول شيء غير بديهي

يقول ديكارت : يجب "ألا أقبل شيئا على انه حق، ما لم أعرف يقينا أنه كذلك، بمعنى أن تجنب بعناية التهور، والسبق إلى الحكم قبل النظر، وألا أدخل في أحكامي إلا ما يتمثل أمام عقلي في جلاء وتميز، بحيث لا يكون لدي أي مجال لوضعه موضع الشك".

2)                       قاعدة التحليل

ومعناها تقسيم المعضلة المستعصية على الفهم والحل، إلى عناصرها المكونة لها، أو إلى أكبر قدر ممكن من العناصر أو الأجزاء التي تنحل إليها. وبقدر ما تدعو الحاجة إلى ذلك. وهذه القاعدة تفترض مشكلة معقدة و عويصة ، لأن ما هو بديهي لا يحتاج إلى تحليل.

3)                       قاعدة التأليف أو التركيب

ينحصر المنهج بأجمعه في أن نرتب وننظم الأشياء التي ينبغي توجيه العقل إليها لاستكشاف بعض الحقائق. ونحن نتبع هذا المنهج خطوة خطوة  ـ والقول لديكارت ـ ، إذا حولنا بالتدريج القضايا الغامضة المبهمة إلى قضايا أبسط، وإذا بدأنا من الإدراك البديهي لأبسط الأشياء كلها، فإننا نجتهد ونرقى بنفس الدرجات إلى معرفة سائر الأشياء.

4)                       قاعدة الاستقراء التام أو الإحصاء الشامل

وتعني الحرص على عدم إغفال دراسة أي عنصر من عناصر المشكلة، إذ ينبغي في كل حالة القيام بالإحصاءات التامة و المراجعات الكاملة بحيث يتيقن الباحث أنه لم يغفل شيئا من جوانب المشكلة.

 

غير أن طريقته لم تسلم من النقد، إذ أن سمة التغيير والتحرر التي طبعت التفكير الفلسفي حينذاك، دفعت فلاسفة التجربة بدءا من نيوتن ولوك معلما القرن الثامن عشر للإقرار بأن " جميع فرضيات الديكارتيين ، أي البني الآلية المتخيلة لتعليل الظاهرات ، يتعين تحاشيها في الفلسفة التجريبية ... و لا يسلم نيوتن بأي علة إلا أن تكون قابلة لأن تستنتج من الظاهرات نفسها."(إميل برييه تاريخ الفلسفة القرن 18 الصفحة 10).

·      الأنا كحقيقة بديهية   (النص 1)

ولكن أي شيء أنا الآن إذن؟ أنا " شيء مفكر" ، وما الشيء المفكر؟ إنه شيء يشك ويفهم ويتصور ويثبت و ينفي، ويريد ويتخيل ويحس أيضا، حقا، إنه ليس بالأمر اليسير أن تكون هذه كلها خصائص طبيعتي، ولكن لم لا تكون من خصائصها؟ ألست أنا ذلك الشخص نفسه الذي يشك الآن في كل شيء على التقريب، وهو مع ذلك يفهم بعض الأشياء ويتصورها، ويؤكد أنها وحدها صحيحة وينكر سائر ما عدها، ويريد أن يعرف غيرها، ويأبى أن يخدع ويتصور أشياء كثيرة على الرغم منه أحيانا يحس منها بالكثير أيضا بواسطة أعضاء الجسد؟

فهل هناك شيء يعادل في صحته اليقين بأني موجود حتى لو كنت نائما دائما، وكان من منحني الوجود يبذل كل ما في وسعه من مهارة لتضليلي؟ وهل هناك أيضا صفة من الصفات يمكن تمييزها عن فكري، أو يمكن القول أنها منفصلة عني؟ فبديهي كل البداهة أنني أنا الذي أشك، وأنا الذي أفهم، وأنا الذي أرغب، ولا حاجة لي لزيادة الإيضاح. 

                                              II.                المدرسة التجريبية

يظهر اهتمام فلاسفة التجربة بالتفكير من خلال مؤلف لوك " محاولة في الفهم البشري"، أي دراسة العقل البشري وطاقته وحدوده ، حيث كان معرض حديثه عن الفهم، وعن موضوعات خاصة بالميتافيزيقا، من قبيل فكرة اللامتناهي، ومسألة الحرية ، وروحانية النفس ووجود الله و العالم الخارجي، بيد أنه لم يعالج هذه الموضوعات لذاتها ، بقدر ما عالجها لمعرفة مدى قدرة العقل البشري في تعيين هذه المسائل وبلوغ الدقة فيها. (إميل برييه تاريخ الفلسفة القرن 18 الصفحة 13-14).

·      العلم التجريبي

يمكن القول أن فرنسيس بيكون (1561 - 1662) أول فيلسوف وعالم مؤسس للعلم التجريبي الحديث، حيث أقام فلسفته ومنهجه العلمي على صرحين :

-        الملاحظة الخارجية

-        التجربة العلمية

ومن أهم العلماء الذين ساهموا في نشأة العلم الحديث و النهضة العلمية الحديثة ، يمكن أن نذكر:

-        كوبرنيك (1473- 1543) الذي أحدث ثورة في علم الفلك ، إذ جاء بتصور جديد يفضي بأن الشمس هي ثابتة و هي مركز الكون. وأن الأرض تدور حول نفسها و حول الشمس خلال سنة.

-        كبلر (1571 - 1630) وتعود شهرته بالقول أن حركة الكواكب بيضاوية وليست دائرية كما يعتقد كوبرنيك.

-        غاليليو (1564 - 1634) أكد أن العلم الحديث من حيث منهجه لا يستقيم أمره إلا على : الملاحظة والتجربة. وإليه ينسب إكتشاف قوانين كثيرة...

لقد تميز علماء المنهج التجريبي بالاهتمام بالنظرية و التطبيق التجريبي، حيث يتبع العالم الخطوات التالية : 

-        ملاحظة الواقعة

-        تولد فكرة في ذهن العالم بمثابة فرضية

-        القيام بالتجربة بإحداث المتغيرات على المادة المدروسة 

-        الوصول إلى ظواهر جديدة يتم معاينتها لاستخلاص النتيجة التي تكذب أو تصدق الفرضية.

·      الإدراك الحسي  (النص 2)

يري دافيد هيوم وهو فيلسوف إنجليزي من أتباع المدرسة التجريبية التي تعتبر عكس التيار العقلاني الديكارتي ، أن التجربة هي أصل كل معرفة ، وفي هذا النص ، يحاول أن يبرز الوعي ، لا يمكن أن ينفصل عن الإدراك الحسي.

((  هناك بعض الفلاسفة الذين يظنون أن لدينا في كل حين شعورا حميميا بما نسميه (أنا)، وأننا نحس بوجود وباستمرار  وجوده ، و؟أننا متيقنون من هويته وبساطته التامتين يقينا أكثر من ذاك الذي يكون بواسطة البرهان... أما من جهتي  فإنني عندما أتوغل في أعماق ما أسميه (أنا) أصطدم دائما بهذا الإدراك الخاص أو ذاك، بالحرارة أو بالبرودة، بالنور او بالظلام ، بالحب او الكراهية ، بالألم أو اللذة . فلا يمكنني أن أعقل نفسي (أنا) في أية لحظة من دون عملية إدراكية ما ، ولا يمكنني أن ألا حظ إلا الإدراك . فعندما تزول إدراكاتي الحسية لمدة من الزمان ، مثلما يكون ذلك في النوم الهادئ فإن شعوري (بأناي)  يزول خلال النوم)).

وقبل نهاية القرن الثامن عشر يصدع الفيلسوف كانط بدعوة العامة لأخذ الجرأة أكثر فأكثر ليفكروا انطلاقا من ذواتهم، دون اتكال أو خضوع لوصاية طرف ما. كان جواب سؤال " ما التنوير؟" بمثابة الإعلان عن ضرورة تحرر الفرد و انعتاقه من وهم العجز على التفكير المستنير، لهذا نجد كانط ـ وهو مؤسس فلسفة النقد ـ  ما فتئ بنقد فلاسفة العقل و التجربة، بدعوى أنهما لم يعرفا و لم يسلكا المنهج السليم لإدراك عملية الفهم، و مدى قدرة العقل على المعرفة. فكان أن جدد دعائم الفهم و التفكير في كتابه نقد العقل الخالص و ما تلاه من كتب النقد.

φ         خاتمة

ثمت يقين أن الفلسفة الحديثة هبت برياح التغيير الفكري و السياسي و العلمي بل والروحي أيضا، شملت الأسس الفكرية الوعي الغربي، ومن بين ذلك؛ رؤيته لذاته والعالم، فكان أن تجاذب أهل الرأي والفكر الجدل في كيفية المعرفة، فنشأت مدارس عدة من أبرزها مدرسة العقل و مدرسة التجربة وأخيرا مدرسة النقد؛ هذه المدارس التي مافتئت أن تبادر بكل ما استطاعت من حجة للدفاع عن عقيدتها الفكرية؛ وقد كان الخيار الوسط بين العقل والتجربة مدرسة النقد مع الفيلسوف إمانويل كانط؛ هذا الذي انبرى للجمع بين الآراء، فقال مما قال": المعرفة مركبة بين معطيات الحس ومقولات الفهم" فالحواس تمدنا بمعطيات التجربة الحسية أما العقل فهو ملكة للفهم و لتطويع المحسوسات إلى مدركات.

لقد عمد كانط كما عمدت الفلسفة الحديثة ككل بمختلف مشاربها إلى دفع العقل إلى منتهى حدوده المعرفية وبيان ما تستطيع الجزم في بيانه أو الظن فيه، لذلك بقي العقل مؤطرا بالواقع الجالب للمعرفة اليقينية،لأنه ما إن يسعى للبحث فيما وراءه حتى يجد نفسه أمام عتبة  الشك و الاحتمالات اللامحدودة و الغير مبرهن عليها بقواعد العقل.

 

هناك 3 تعليقات:

  1. لك الشكر الكامل على مساعدتك لنا بهذا الموقع أريد آت أسألك هل هناك تعاريف الفلاسفة الذي درسنا

    ردحذف
  2. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  3. Merci prof 3la mosa3adatika kabira lana

    ردحذف