إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 26 أكتوبر 2015

الفلسفة والعلم: برتراند راسل


الفلسفة و العلم

 

ما الذي يفعله الفلاسفة حين يمارسون مهمتهم؟ هذا بالفعل سؤال غريب، وربما كان في إمكاننا أن نحاول الإجابة بأن نبين أولا ما لا يفعلونه. ففي العالم المحيط بنا أشياء عديدة نفهمها جيدا، منها مثلا طريقة عمل الآلة، وهي تدخل في نطاق الميكانيكا والديناميكا الحرارية. كما أننا نعرف الكثير عن تركيب الجسم البشري وطريقة أدائه لوظائفه، وهي أمور يدرسها علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء، أو لنتأمل أخيرا حركة النجوم التي نعرف عنها الكثير، وهي تندرج ضمن الفلك؛ أي أن كلا من ميادين المعرفة هذه تنتمي إلى علم أو لآخر.

غير أن جميع ميادين المعرفة تحف بها منطقة محيطة من المجهول، وحين يصل المرء إلى مناطق الحدود ويتجاوزها، فإنه يغادر أرض العلم ويدخل ميدان التفكير التأملي. هذا النشاط التأملي هو نوع من الاستكشاف أو الاستطلاع، وهو يشكل واحدا من مقومات الفلسفة.

والواقع أن ميادين العلم مختلفة، قد بدأت كلها، بوصفها استطلاعا فلسفيا بهذا المعنى. ولكن ما إن يصبح العلم مرتكزا على أسس متينة، حتى يسير في طريقه على نحو مستقل، إلا فيما يتعلق بالمشكلات الواقعة على الحدود، أو بمسائل المنهج؛[1] ولكن لا يمكن القول إن عملية الاستطلاع هذه تحرز تقدما بالمعنى المألوف لهذه الكلمة، وإنما هي تسير في طريقها فحسب، وتتجدد وظيفتها بلا انقطاع.

وفي الوقت ذاته يتعين علينا أن نميز الفلسفة عن ضروب التأمل الأخرى؛ فالفلسفة في ذاتها لا تأخذ على عاتقها مهمة حل المشكلات التي نعاني منها، وإنما هي على حد تعبير اليونانيين [2]، نوع من المغامرة الاستكشافية التي نقوم بها لذاتها.[3]



[1]  يحيل إلى البعد الإبستيمولوجي
[2]  أنظر الإضاءة 1
[3]  برتراند راسل ، حكمة الغرب، ترجمة فؤاد زكرياء، الجزء الاول، عالم المعرفة1983  ص  18و 19


j      الإضاءة 1

إذا كان الفلاسفة الأوائل قد تفلسفوا كي يخرجوا من الجهل، فمن البين أنهم اهتموا بالعلم من أجل المعرفة لا من اجل منفعة ما.

فالصنائع التي تهتم بالحاجات والتي تحقق الرفاه واللذة، كانت كلها تقريبا قد عرفت قبل أن يشرع في البحث عن تفسيرات..

فبديهي أننا لا نتوخى من الفلسفة غاية غير الفلسفة نفسها.

أرسطو، الميتافيزيقا، الجزء الأول، الفصل الثاني، ترجمة تريكو، منشورات1991 فران  صفحة 9.


تحليل نص : الفلسفة والعلم
الفهم
صاحب النص
نص لبرتراند راسل B. Russell عالم رياضيات إنجليزي (1872 1970) من أهم أعماله:" مبادئ الرياضيات؛ وتاريخ الفلسفة الغربية؛ ومشكلات الفلسفة. يعد من أعظم الفلاسفة حصل على جائزة نوبل عام 1950 بالإضافة إلى نوط الإستحقاق ذو القيمة الكبيرة والذى قلده إياه الملك جورج السادس عام 1949 وجائزة سوننج من جامعة كوبن هاجن عام 1960. كما كان ناشطا بارزا ضد الحرب وضد الامبريالية كما شجع التجارة الحرة بين الشعوب. وتميز بكونه ناقدا ساخرا بالإضافة إلى كونه عالم اجتماعى دقيق كتب ما يزيد عن المائة كتاب والكثير من المقالات في الفلسفة وعلم النفس وعلم الإجتماع والسياسة والدين والأخلاق والجنس.ويعتبر كتابة ألف باء النسبية من اروع ماكتب في هذه النظرية العظيمة. مات وعمره حوالي المئة عام في سنة 1970. و من أعماله مبادى الرياضيات و تاريخ الفلسفة الغربية و مشكلات الفلسفة ومن أقواله "إن مبرر إحترام الأطفال لأبائهم لا يعد أقوى من ذلك الخاص بإحترام الوالدين لأطفالهم فيما عدا أنه عندما يكون الأطفال صغاراً يكون الأباء أقوى من الأطفال".
قضية النص
الفلسفة تفكير تأملي لا يسعى لحل المشاكل اليومية بقدر ما هو فعل يتغيا المساءلة
الإشكال المركزي
ما الفرق بين التفكير الفلسفي و التفكير العلمي ؟
التساؤلات
ما مجالات المعرفة التي لا تمت بصلة بالتفكير الفلسفي؟ ما طبيعة التفكير الذي يتجاوز حدود المعرفة العلمية؟ كيف كانت بدايات التفكير العلمي وكيف ولت؟ وما دور التفكير التأملي الفلسفي بالمقارنة وضروب التأمل الأخرى؟
التحليل
أفكار النص
 يتساءل برتراند عن العمل الذي يمارسه الفلاسفة ليجيب بالسلب و بما لا يقومون به، مبرزا نماذج علمية مثل " الميكانيكا والديناميكا الحرارية و علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء، وأخيرا علم الفلك" هذه التي تجد لنفسها مجالا مستقلا عن عمل الفيلسوف.
وفيما تنتهي مناهج هذه العلوم في تقديم الأجوبة للأسئلة التي تطرحها، يبدأ الفكر التأمل الذي يغمره حس الاستطلاع و الاكتشاف في مناطق لا تستطيع العلوم الدخول إليها لأنها حكر للفلسفة.
وعلى الرغم من ان بداية العلوم كانت مبنية على الاستطلاع، فإنها ما فتأت أن تتخذ لها طريقا معينا بتوسل منهج وعينها على الاستقلال، لتظل الفلسفة فقط تساءل المنهج لا المعرفة.
لذلك كان حريا بنا أن نميز التأمل الفلسفي عن غيره، كونه لا يبغي معرفة أو حل مشكلة ذات طابع معاشي بل هو  نوع من المغامرة الاستكشافية التي نقوم بها لذاتها على حد تعبير اليونانيين
مفاهيمه
التفكير التأملي: Méditation التأمل 
المنهج: النظام والطريقة المبنية على بصيرة و تفكير  
عاتقها : كاهلها
علم Science  : بوجه عام هو معرفة و إدراك الشيء على ما هو عليه .جاء في معجم لالاند بأن العلم « يقال على مجموعة معارف تتميز بالوحدة و التعميم و لا تستند إلى الفروق الفردية أو الأذواق الشخصية » , فهو إذن دراسة ذات موضوع محدد و منهجية خاصة توصل إلى طائفة من المبادئ و القوانين , و هو ينصب على القضايا الكلية و الحقائق العامة المستمدة من الوقائع و الجزئيات . و العلم ضربان : نظري Théorique   يستهدف تفسير الظواهر و الكشف عن القوانين التي تحكمها , و عملي Pratique  يرمي إلى تطبيق القوانين النظرية على الوقائع و الحالات الجزئية .
الأصل: المبدأ الأول الذي يرجع إلأيه الفكر
التساؤل: طلب السؤال بحدة
الدهشة: الاستغراب
الشك: الريبة شك Doute : أصل الشك لغة من قولك : شككت الشيء إذا جمعته بشيء غيره و أدخلته فيه . و الشك حالة نفسية يتردد معها الذهن بين النقيضين : الإثبات و النفي دون ترجيح أحدهما على الآخر فيتوقف عن إصدار الحكم و الانتصار لهذا أو ذاك . أما إذا ترجح أحدهما و لم يطرح الآخر فهو ظن Opinion . و الشك أنواع أهمها : الشك المنهجي و الشك المطلق . فأما الشك المنهجي Doute méthodique  ( أو الصوري Formel  ) فهو مرحلة أساسية من مراحل منهج البحث في علوم شتى على رأسها الفلسفة , و قوامه هنا تمحيص المعاني و الأحكام تمحيصا تاما بحيث لا يقبل منها إلا ما ثبت يقينه , و من أبرز من قال به  أبو حامد الغزالي و من بعده ديكارت . فهذا ديكارت يقول « رأيت أن أعتبر كل ما أستطيع أن أتوهم فيه أقل شك باطلا على الإطلاق , و ذلك لأرى إن كان لا يبقى لدي  بعد ذلك شيء خالص من الشك تماما » ( مقال في المنهج ) . و أما الشك المطلق Doute absolu  فهو شك مضطرد و حال مستقرة إذ يتردد أصحابه دوما بين الإثبات و النفي و بذلك فهم يتوقفون عن إصدار الحكم أو تقريره و هم طبقة الشكاك . فإذا كان الشك المنهجي شكا من أجل اليقين إذ يكون الشك مجرد وسيلة فإن الشك المطلق شك من أجل الشك إذ يصبح الشك هنا هدفا في حد ذاته .
 
حجاجه
التساؤل و الإيجاب بالسلب
التعريف و حجة السلطة
قيمته
فلسفية معاصرة تبرز طبيعة التفكير الفلسفي التأملي
حدوده
الأطروحة تقتصر على التفكير التاملي دون الحديث عن انواع أخرى منه مثلا النقدي

 

الفلسفة المعاصرة


الفلسفة المعاصرة
مقدمة
ضمت الفلسفة شمائل تاريخ الفكر الإنساني، وسعت في تعددها لبيان أن العقل الفلسفي المعاصر قد تحرر من عقدة القطبية المادية أو المثالية، ليرسم نماذج عدة لتيارات الفكر المدرسي الذي أرسى دعائم منهجية مختلفة؛ غير أن الاختلاف لا يعدو أن يكون ثمرة جهد للتجديد و نبذ التقليد أو الوقوف عند حد العبارة أن السلف لم يترك للخلف شيئا.
يمكن أن نضم في كنف هذه الفلسفة قرنين من الزمن وهما القرن التاسع عشر و القرن العشرين؛ ولذلك فإن الناظر إلى هذه الفترة يطرح عدة أسئلة من بينها : ما خاصية التفكير الفلسفي في هذين القرنين؟ و ما هي أبرز معالم الفكر التي اتسمت بها حركة الفلسفة المعاصرة؟
1.              الفلسفة المعاصرة
نشأت العلوم الانسانية خلال القرن التاسع عشر وحاولت تأسيس معرفة موضوعية بالظاهرة الانسانية التي يتداخل فيها عنصري الذات والموضوع في الآن نفسه، والتي تحاول فهم و تفسير ليس السلوك الإنساني الظاهر فقط بل أيضا النفسي منه. ولقد انبرى لهذه المعضلة اتجاهين أو موقفين متمايزين، الأول منهما يسمى بالاتجاه الوضعي أو الطبيعي الذي  يستمد جذوره من الموقف الديكارتي الذي يطرح إمكانية دراسة الظاهرة الانسانية دراسة موضوعية وفي مقابل هذا الاتجاه نجد موقف الفهم الذاتي التأويلي الذي يقر به ماكس فيبر، والذي يعتبر أن الظاهرة الانسانية هي ظاهرة جد معقدة وبالتالي فتطبيق المنهج التجريبي إزاء هذه الظاهرة صعب المنال.
أما السوسيولوجيا كعلم يختص بدراسة الإنسان ككائن اجتماعي باعتباره عضوا في مؤسسة اجتماعية فقد اصطدمت بجملة من الصعوبات وعرفت مجموعة من الإشكاليات سواء على مستوى الموضوع أو المنهج أو النظرية ويرجع ذلك إلى طبيعة الظاهرة الاجتماعية باعتبارها ظاهرة واعية يتداخل فيها عنصر الوعي والإرادة والقصد وهنا يطرح التساؤل عن طبيعة المنهج والنظرية المتبعة في دراسة الظاهرة الاجتماعية، وأمام ذلك تجد السوسيولوجيا نفسها حرجا في الحسم بين خيارين متباينين: الأول هو التماهي التام مع العلوم التجريبية ونقصد هنا اقتباس النموذج العلمي المتبع في العلوم الطبيعية وتطبيقية على الظواهر الاجتماعيةأما الخيار الثاني وهو  القطيعة التامة مع العلوم التجريبية واعتماد نموذج ملائم لطبيعة الظاهرة الاجتماعية بالشكل الذي يحقق الموضوعية ولا يلغي فاعلية الذات.  
ولأن الفلسفة المعاصرة ضمت قرنين نشطين، فإنه من الصعب بمكانة أن نحيط بجل أعلامها، لنركز على أبعاد مدارسها و إشكالاتها؛ فكان أن أصبحت في القرن العشرين خاصة فلسفة عالمية، تكاد لا تجد منطقة إلا وحلت بها مدرسة فلسفية تنابز أختها لإثبات صلاحية منهجها في البحث و المعرفة. فكان من بين أهم المدارس خمس حركات رئيسية: اثنان منها: الوجودية والظاهراتية اللتان كان لهما تأثير كبير في بلدان أوربا الغربية. أما الحركات الثلاث الأخرى: الذرائعية (البرجماتية (المنفعية) والوضعية المنطقية، والبنيوية التفكيكية فقد مارست تأثيرها خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
في منتصف القرن العشرين أصبح تأثير الوجودية ملحوظا، وذلك أن الحرب العالمية الثانية(1939-1945) ولدت شعورا عاما باليأس والقطيعة من الوضع القائم، هذا الشعور قد أفضى إلى الإعتقاد بأن الناس عليهم أن ينشئوا القيم التي تليق بهم في عالم أصبحت القيم القديمة فيه عديمة الجدوى، كما أن الوجودية تلح على القول : إن الأفراد يجب عليهم أن يحددوا اختياراتهم وبذلك يعبرون عن شخصيتهم المتميزة، لأنه لا توجد أنماط موضوعية تفرض على الفرد فرضا، ويعتبر الكاتب الفرنسي جان بول سارتر أشهر الفلاسفة الوجوديين.
أما الفلسفة الظاهراتية فقد أنشأها الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل، الذي تصور أن مهمة الظاهراتية وبالتالي مهمة الفلسفة تتمثل في وصف الظاهرة، أي موضوعات التجربة الشعورية، بصفة دقيقة وبكيفية مستقلة عن كل الافتراضات المشتقة من العلم. ويعتقد هوسرل أن هذا العمل من شأنه أن يؤدي إلى إدراك الواقع إدراكا فلسفيا.
في حين الفلسفة النفعية البرجماتية والتي يمثلها الأمريكيان وليم جيمس وجون ديوي، فتؤكد أن المعرفة خاضعة للعمل، وذلك أن اشتمال الأفكار على المعاني والحقائق متعلق بمدى ارتباطها بالتطبيق. كذلك الفلسفة الوضعية المنطقية نشأت في ﭬيينا بالنمسا في العشرينات من القرن العشرين فتقول: إن الفلسفة ينبغي أن تحلل منطق لغة العلم، وهي تعتبر العلم المصدر الوحيد للمعرفة وتدعي بأن ما وراء الطبيعة لا فائدة منه، اعتمادا على مبدأ إمكانية التحقق، أي أن القول لا يكون له معنى إلا إذا ثبت بالتجربة الحسية أنه مطابق للحقيقة، ويعد البريطاني ألفرد جون أير من أكبر فلاسفة المذهب الوضعي المنطقي معبرا عن أن المشكلات الفلسفية التقليدية تنحل تلقائيا أي أنها تزول بمجرد تحليل للعبارات التي صيغت. وهو نفس الشأن الذي قاد  الفلسفة البنيوية التفكيكية فقد التي حاولت بدورها تحليل مفردات اللغة ومفاهيمها كما. ومن أشهر الفلاسفة الذين مارسوا التفكيك والتحليل الفلسفي هناك برتراند راسل، ولود فيتجنشتاين.
1.              علاقة الفلسفة بالعلم
إذا كانت العلاقة بين الفلسفة و العلم تكاد تكون غير منفصلة في تماه تام باعتبارهما بدءا كاستطلاع واستكشاف، فإن تقدمهما أعلن عن تباينهما مع الزمن، فأصبح لك منهما متميز عن الآخر، لا من حيث الموضوع أو المنهج. ويؤكد راسل أن العلم قد استقل حين أسس منهجه الخاص وأرسى دعائمه في منأى عن الفلسفة، غير أن حدوده تكاد تكون معلومة إن تم تجاوزها سيدخل العالم إلى منطقة تهم الفلسفة، تلك هي منطقة المساءلة المنهجية النقدي التي تبدأ من خلال مبحث الإبستيمولوجيا.
الابيستيمولوجيا Epistémologie : دراسة نقدية لمبادئ العلوم المختلفة و فرضياتها و مناهجها و نتائجها, وهي تهدف إلى تحديد أصلها المنطقي و قيمتها الموضوعية (حسب لالاند). و في اللغة الإنجليزية تطلق على نظرية المعرفة بوجه عام، و في هذا يقول رونز : «الإبيستيمولوجيا أحد فروع الفلسفة الذي يبحث في أصل المعرفة ، و تكوينها ومناهجها و صحتها ».
ولقد اتسمت الفلسفة المعاصرة بالخوض في الدراسات النقدية للمعرفة العلمية العقلانية أو التجريبية عل حد سواء؛ كما كان الشأن في الفلسفة الحديثة. ومن أهم علماء وإبستيمولوجيي العصر صاحب النظرية النسبية أ.إينشتين الذي يؤكد على أهمية البناء الرياضي الخالص في إكتشاف القوانين التي تسمح بفهم الظواهر الطبيعية، فالمبدأ الخلاق حسب تعبيره يوجد في العقل الرياضي؛ لأن البناء الرياضي الخالص هو الذي يمكننا من إكتشاف المفاهيم والقوانين، فالمبدأ الخلاق حسب هذا العالم، يوجد في الرياضيات لا غير، لتبقي التجربة في نظره ليست سوى أداة ثانوية يستعين بها العالم لاختيار الآليات العلمية التي سيستعين بها لإثبات أطروحته.
خاتمة
ليست الفلسفة المعاصرة محض تكرار للفلسفة الحديثة، بل هي نبع من التفكير الفلسفي المتجدد كل حين؛ فهي التي أرست دعائم الاقتصاد و السياسة في أكبر مبدأين الاشتراكية و الرأسمالية، و هي التي أسست لعلمين فتحا الباب للعلوم الإنسانية من بابي علم النفس وعلم الإجتماع، كما أنها حالت بين العلم وغاياته لتفرض عليه و على الإنسانية الوقوف عند عتبة مسائلة القيم.
 

الفلسفة و المنهج : ديكارت


الفلسفة و قواعد المنهج

مثل رجل يسير وحده في الظلمات، عزمت أن أسير ببطء شديد وأن أتخذ كثيرا من الحيطة و الحذر في جميع الأمور، ولأن كنت لم أتقدم إلا قليلا جدا، فقد صنت نفسي على الأقل من السقوط. حتى أنني لم أشأ البتة أن أبدأ بنبذ أي رأي من الآراء التي انتقلت في وقت ما إلى نفسي بغير طريق العقل، إلا إذا أنفقت وقتا كافيا من إعداد خطة العمل الذي توليته في البحث عن الطريقة الصحيحة الموصلة إلى جميع الأشياء التي يقدر عليها عقلي.

لقد درست قليلا وأنا في حداثة سني ، من بين أقسام الفلسفة [1] المنطق، ومن بين أقسام الرياضيات التحليل الهندسي و الجبر، وهي ثلاثة فنون أو علوم خيل إلي أنها ستمدني بشيء من العون للوصول إلى مطلبي، ولكنني عندما اختبرتها تبين لي فيما يتعلق بالمنطق أن أقيسته[2] وأكثر تعاليمه الأخرى لا تنفعنا في تعلم الامور بقدر ما تعيننا على أن نشرح لغيرنا من الناس ما نعرفه منها، وهذا ما حملني على التفكير في وجوب البحث عن طريقة أخرى، وبدلا من هذا العدد الكبير من القواعد التي يتألف منها المنطق، يمكنني أن أكتفي بالقواعد الأربعة الآتية شريطة أن أعزم عزما صادقا وثابتا على ألا أخل مرة واحدة بمراعاتها.

الأولى : أن لا أتلقى شيئا على الإطلاق على أنه حق، ما لم أتبين بالبداهة أنه كذلك، أي أن أعنى بتجنب التعجل و التشبث بالأحكام السابقة، وأن لا أدخل في أحكامي إلا ما يتمثل لعقلي في وضوح وتميز لا يكون لدي معهما أي مجال لوضعه موضع الشك.

والثانية: أن أقسم كل واحدة من المعضلات التي أبحثها إلى عدد من الأجزاء الممكنة و اللازمة لحلها على أحسن وجه.

والثالثة: أن أرتب أفكاري فأبدأ بأبسط الأمور و أيسرها معرفة. وأتدرج في الصعود شيئا فشيئا حتى أصل إلى معرفة أكثر الأمور تركيبا، بل أن أفرض ترتيبا بين الأمور التي لا يسبق بعضها بعضا بالطبع.

والأخيرة: أن أقوم في جميع الأحوال بإحصاءات كاملة ومراجعات عامة تجعلني على ثقة من أنني لم أغفل شيئا.[3]



[1] الإضاءة 1
[2] أقيسة : جمع قياس
[3]  ر. ديكارت، مقالة في المنهج، ترجمة جميل صليبا، اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع، بيروت 1970 صفحات  98و 104


j      الإضاءة 1
الفلسفة بأسرها أشبه بشجرة، جذورها الميتافيزيقا، وجذعها الفيزيقا، والفروع التي تخرج من هذا الجذع، هي كل العلوم الأخرى التي تنتهي إلى ثلاثة علوم رئيسية: هي الطب و الميكانيكا والأخلاق، وأعني الأخلاق الأرفع و الأكمل التي تفترض معرفة تامة بالعلوم الأخرى، فقد بلغت المرتبة الأخيرة (أي العليا) من مراتب الحكمة.

ديكارت، مبادئ الفلسفة، ترجمة عثمان أمين ، دار الثقافة، القاهرة1975، ص43.
 
تحليل نص : الفلسفة والمنهج
الفهم
صاحب النص
نص للفيلسوف رونييه ديكارت R . Descartes (1569 ـ1650)مؤسس الفلسفة الحديثة؛ من أهم مؤلفاته:" المقالة في المنهج؛ و تأملات ميتافيزيقية؛
قضية النص
إبداع طريقة جديدة في التفكير وفق منهج حديث ذي أربع خطوات ميسرة.
الإشكال المركزي
كيف يمكن بناء منهج سليم للتفكير يعصم العقل من الزلل ؟
التساؤلات
كيف عزم ديكارت على وضع خطة عمله؟ و لم شك في العلوم الماضية بما فيها الفلسفة ؟
ما طبيعة منهجه؟ و ما دلالة قواعده؟
التحليل
أفكار النص
 يضرب ديكارت مثلا لرجل يبتغي بلوغ الحقائق بمفرده وتمحيصها عن طريق عقل، ويشبه عملية تفكيره هذه بالذي يسير في العتمة أي بين كم من التضليل و الأفكار المغلوطة متوسلا الشك كمنهج للتمييز بين الأفكار، مبينا أن هذا الأمر وإن كان سيجعل من سيره أبطء إلا أنه يتشبث به لأنه الضمان الوحيد لنيل مراده.
وينتقل بالقول أنه ما كان ليعزم في سيره هذا لولا بيان فساد المناهج السابقة وعدم قدرتها على المجيء بالجديد، لذلك ارتأى أن يتخذ منهجا مبسطا متكونا من أربعة خطوات الغاية منها نيل الحقيقة في أدق تجلياتها؛ ولذلك كانت القاعدة الأولى تعتزم الشك في كل شيء ما إن يكن بديهيا، أما القاعدة الثانية فهي تستدعي تقسيم المعضلة، والثالثة ترتيب أقسام المشكلة من الأيسر إلى الأكثر صعوبة، ليبلغ في الأخير درجة المراجعة و التأكد من كل ما تم معالجته و بحثه.
 
مفاهيمه
كوجيطو Cogito : في اللغة اللاتينية تعني "يفكر ، ينظر". و قد لازم هذا المفهوم الفلسفة الديكارتية بل و اعتبر المبدأ الأول فيها. و هو يتلخص في إثبات وجود الأنا من حيث هو كائن مفكر ، و من ثم الاستدلال على وجود النفس  من حيث هي جوهر مفكر. و أصل عبارة ديكارت هو: Ego cogito , ego sum »  «  و تعني « أنا أفكر ، أنا موجود » ، و هذه معرفة مباشرة حدسية لوجودنا و ليست قياسا منطقيا كما قد يبدو . ( انظر : أفكار فطرية / فطري / بداهة / حدس )
البداهة: البديهي الواضح و المتميز بداهة  Evidence: وضوح الأفكار و القضايا بحيث تفرض نفسها على الذهن. و البديهي Evident  بوجه عام هو ما يبدو للذهن لأول وهلة دون شك أو تردد, و هو أيضا « الذي لا يتوقف حصوله على نظر و كسب» كما قال الجرجاني في "التعريفات". و البديهية Evidente قضية أو فكرة يسلم بها لأنها واضحة بذاتها دونما حاجة إلى برهان بل هي برهان غيرها, مثل المبادئ العقلية و الأوليات و الضروريات, و منها ما يستخدم في جميع العلوم أو في علوم بعينها دون غيرها كمبادئ البرهنة الرياضية الكلاسيكية.و يقابل المسألة البديهية كل ما لا مناص من البرهنة عليه. نذكر –كمثال- من بديهيات ديكارت : الكل أكبر من الجزء.
تحليل Analyse : منهج عام يراد به تقسيم الكل إلى أجزائه و رد الشيء إلى عناصره المكونة له, أي فك وحدته بهدف دراسة كل جزئياته. و الحكم التحليلي –عند المناطقة و في الوضعية المحدثة- هو ما لا يضيف محموله جديد إلى موضوعه, مثال ذلك قولنا : المثلث مضلع له ثلاثة أبعاد أو الحديد معدن. و قد اعتبر كانط و من بعده فلاسفة الوضعية المحدثة / الجديدة Néo-posivitisme القضايا الرياضية قضايا تحليلية و قضايا العلوم التجريبية (الفيزياء و الكيمياء) التفكير التأملي: Méditation التأمل  تأمل  Méditation: تفكير عميق في موضوع معين يحاول أن يستخرج جوانبه العامة. وهو كالتدبر Contemplation استغراق الذهن في موضوع تفكيره لإلى حد يجعله يغفل عن الأشياء الأخرى بل عن أحوال نفسه ذاتها.
المنهج: النظام والطريقة المبنية على بصيرة و تفكير  هو خطوات منظمة يتخذها الباحث لمعالجة مسألة أو أكثر ويتتبعها للوصول إلى نتيجة.
عاتقها : كاهلها
علم Science  : بوجه عام هو معرفة و إدراك الشيء على ما هو عليه .جاء في معجم لالاند بأن العلم « يقال على مجموعة معارف تتميز بالوحدة و التعميم و لا تستند إلى الفروق الفردية أو الأذواق الشخصية » , فهو إذن دراسة ذات موضوع محدد و منهجية خاصة توصل إلى طائفة من المبادئ و القوانين , و هو ينصب على القضايا الكلية و الحقائق العامة المستمدة من الوقائع و الجزئيات . و العلم ضربان : نظري Théorique   يستهدف تفسير الظواهر و الكشف عن القوانين التي تحكمها , و عملي Pratique  يرمي إلى تطبيق القوانين النظرية على الوقائع و الحالات الجزئية . قضايا تركيبية. (انظر: تحصيل حاصل / تركيب)
تركيب Synthèse : بوجه عام هو الجمع بين عناصر متفرقة و محاولة التأليف بينها.و أما بوجه خاص فهو منهج يقوم على السير من البسيط إلى المركب : ففي العلوم الطبيعية هو منهج يرمي إلى تكوين مادة جديدة انطلاقا من عناصر أو مركبات أبسط منها و خاصة في الكيمياء. و في علم النفس هو جمع الذهن بين تصورات و مشاعر مختلفة لتكوين كل واحد منتظم. و في التاريخ هو محاولة المؤرخ تنسيق نتائج تحليل الوثائق لإعادة تكوين ما دلت عليه. و أما في الفلسفة فقد اعتبر كل من هيجل و ماركس التركيب نتيجة الجمع بين إيجابيات القضية / الأطروحة و إيجابيات نقيضها. و في المنطق يعتبر حكما تركيبيا كل حكم يضيف محموله جديدا إلى موضوعه,مثال ذلك قولنا : الحديد يتمدد بفعل الحرارة. و قد يكون هذا الجديد إما مستمدا من التجربة (أي واقعيا) أو من الذهن (أي عقليا). (انظر: تحليل / تحصيل حاصل)
الشك: الريبة شك Doute : أصل الشك لغة من قولك : شككت الشيء إذا جمعته بشيء غيره و أدخلته فيه . و الشك حالة نفسية يتردد معها الذهن بين النقيضين : الإثبات و النفي دون ترجيح أحدهما على الآخر فيتوقف عن إصدار الحكم و الانتصار لهذا أو ذاك . أما إذا ترجح أحدهما و لم يطرح الآخر فهو ظن Opinion . و الشك أنواع أهمها : الشك المنهجي و الشك المطلق . فأما الشك المنهجي Doute méthodique  ( أو الصوري Formel  ) فهو مرحلة أساسية من مراحل منهج البحث في علوم شتى على رأسها الفلسفة , و قوامه هنا تمحيص المعاني و الأحكام تمحيصا تاما بحيث لا يقبل منها إلا ما ثبت يقينه , و من أبرز من قال به  أبو حامد الغزالي و من بعده ديكارت . فهذا ديكارت يقول « رأيت أن أعتبر كل ما أستطيع أن أتوهم فيه أقل شك باطلا على الإطلاق , و ذلك لأرى إن كان لا يبقى لدي  بعد ذلك شيء خالص من الشك تماما » ( مقال في المنهج ) . و أما الشك المطلق Doute absolu  فهو شك مضطرد و حال مستقرة إذ يتردد أصحابه دوما بين الإثبات و النفي و بذلك فهم يتوقفون عن إصدار الحكم أو تقريره و هم طبقة الشكاك . فإذا كان الشك المنهجي شكا من أجل اليقين إذ يكون الشك مجرد وسيلة فإن الشك المطلق شك من أجل الشك إذ يصبح الشك هنا هدفا في حد ذاته .
 
حجاجه
المثال جزء أساسي في بناء أطروحته ليجعل من منهج شكه و تفكيره صورة حسية في الرجل الذي يسير في العتمة متوخيا الحذر والتأني.
التقسيم و التفسير للمنهج في أبعاده الأرربعة
قيمته
فلسفية تبرز نمط جديد من التفكير ساهم في بناء الفلسفة الحديثة و المدرسة العقلانية
حدوده
الوقوف على نمط من التفكير الفلسفي المبني على حجج عقلية تتنكر للحواس وللمنهج التجريبي