إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 26 أكتوبر 2015

الفلسفة في العصر الوسيط


v  المحور الثاني :  محطات من تاريخ الفلسفة

                    الفلسفة في العصر الوسيط (الفلسفة الإسلامية)

تقديم

انصرف معظم جهود فلاسفة العصور الوسطى (من مسيحيين ومسلمين) إلى التوفيق بين الفلسفة والعقيدة، أو بين العقل والنقل، حتى لقد زعم بعض مؤرخي الفلسفة أن الصبغة التي اتسم بها التفكير الوسيط في الشرق و الغرب لم تكن سوى مجرد صبغة توفيقية أو تأليفية. إلا أن فلاسفة العصور الوسطى لم يأخذوا الفلسفة القديمة على مبدأ عبادة القديم لقدمه، وإنما كان رائدهم في ذلك هو البحث عن الحقيقة دون التعبد للماضي عبادة عمياء. غير أنهم وجدوا أنفسهم أمام حقيقة فلسفية مصدرها العلم، وحقيقة دينية مصدرها الوحي، فكان لابد لهم أن يحاولوا التوفيق بين هاتين الحقيقتين، مادامت الحقيقة لا تتعارض مع العقل !

                              I.            التفكير الفلسفي لدى المسلمين

عرف المسلمون الفلسفة اليونانية في القرن الأول الهجري، وابتدأ المترجمون في نقل كتبها إلى اللغة العربية، وإذا كان للعباسين البدء حين أمر الخليفة المأمون بترجمة الكتب اليونانية، و من ولي بعده الحكم بالعناية بالفلاسفة. فإن من أبرز ما اهتم به فلاسفة المسلمين  حينها المنطق أو علم التفكير، من أجل فهم منازل التفكير و درجاته التي تبلغ بالإنسان مرتبة الحكمة التي ينال بها السعادة الأتم. لذلك فنحن نجد فلاسفة عدة اهتمت بشرح كتب أرسطو وأفلاطون و ثلة من المدارس الفلسفية بغية التعرف على ما يمكن أن يجيد مهارة التفكير والحياة علمية و العملية لدى المسلمين.

وتتجلى أقسام التفكير الفلسفي من خلال ما أبانه ابن سينا في ربطه غاية التفكير بمرتبته، إذ الحكمة الفلسفية هي استكمال النفس الإنسانية. والحكمة تنقسم إلى مستويين : المستوى العقلي النظري و المستوى التطبيقي العلمي: ولكل هذين الجناحين من الحكمتين ثلاث عناصر:

الحكمة النظرية
الحكمة العملية
الطبيعية : تتعلق بالحركة و التغيير بما هو في حركة وتغيير.
مدنية: يعلم كيف تقوم المشاركة بين الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان ومصالح بقاء نوع الإنسان.
رياضية : تتعلق بما من شأنه يجرد الذهن من التغيير و إن كان وجوده مخالطا للتغيير .
منزلية: فائدتها تعلم المشاركة التي ينبغي أن تكون بين أهل منزل واحد.
الفلسفة الأولى أو الفلسفة الإلهية جزء منها وهي معرفة الربوبية. وتتعلق بما وجوده مستغن عن مخالطة التغيير.
خلقية: أن تعلم الفضائل وكيفية اقتنائها لتزكو بها النفس، وتعلم الرذائل وكيف توقيها لتظهر عنها النفس.

      وينبه ابن سينا إلى أن مبادئ هذه الأقسام التي تعود للفلسفة النظرية هي في حقيقة الأمر تعود إلى معرفة الحق سبحانه، ومن ثم، فمن أجل تحصيل الكمال لابد من الأخذ بهاتين الحكمتين لأن بهما يحصل الخير الكثير.

                          II.            الفلسفة و الدين

إن الفلسفة لم تنشأ إلا يوم آمن الإنسان بقدرة العقل على المعرفة ، ولكن تطور التفكير الفلسفي لم يلبث أن اقتاد الفلاسفة إلى إثارة مشكلة حدود المعرفة البشرية العقلية، فنشأت عن ذلك قضية استقلال الفلسفة، فإلى أي حد يمكن لها أن تمضي في معالجة المشكلات الإلهية الغامضة ومسائل الطبيعة المعقدة؟

1)    مشكلة العقل و النقل

حاول كثير من الفلاسفة  أن يبينوا للناس ما في مجموع الحقائق المنزلة (الدينية) من تعبير عن المعقول، وتكملة للعقل البشري، حتى يهيئوا للناس عن هذا الطريق سبيلا يعينهم على فهم ما في الصيغ العامة للدين من تعبير عن قوانين  الوجود والفكر معا، وتفسيرا للموجود البشري بأكمله، بما فيه من عقل وقلب معا.

ولقد حاول بعض الفلاسفة المسيحيين حل هذه القضية، كصاحب العبارة المشهورة القديس توما الإكويني الذي قال: "  العقل يسبق الإيمان ، والإيمان يسبق العقل، وأنا أؤمن لكي أتعقل"، ومعنى هذه العبارة أنه لابد للإنسان أن يمتحن الإيمان بعقله قبل أن يسلم به ، فإذا ما ضمن صحة العقيدة الدينية مبدئيا، كان عليه أن يسلم بالأسرار التي تتضمنها مجرد تسليم، ثم تجيء مرحلة التعقل الفلسفي للدين، فيرتفع الإنسان من مرتبة الإيمان الساذج إلى درجة فهم هذا الإيمان وتعقل معتقداته. 

كما ذهب بعض فلاسفة الإسلام من أمثال ابن رشد، إلى القول بأن الشرع نفسه قد أوجب النظر في الموجودات بالعقل، وأن مقصد الحكماء هو بعينه المقصد الذي حثنا عليه الشرع، بدليل قوله تعالى" : فاعتبروا يا ألي الأبصار... وقوله: أولم ينظروا في ملكوت السماوات و الأرض..." . غير أن هذا الرأي اقتاد أصحابه إلى العمل على تأويل القرآن بما يتفق مع مرامي الحكمة النظرية، بدعوى "أن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له" ، وتبعا لذلك فقد راح بن رشد بالتوفيق بين الحكمة و الشريعة ".

ظل التفكير الفلسفي لدى كثير من فلاسفة الإسلام على أعلى منزلة وأشرف مرتبة، وذلك كون الفيلسوف يسعى في تفكيره إلى بلوغ الحقيقة من أجل العمل بها، وبما أن التفكير الفلسفي يشمل جل مناحي الحياة وضروبها، فإن الفلسفة الأولى أي التفكير الفلسفي الموجه لمعرفة الله لهو أشرف فلسفة وهو أعلا من كل مرتبة.

·               خاتمة

قد يظن البعض أن الفلسفة في العصر الوسيط ظلت حبيسة الشروحات الأرسطية مع الفلاسفة كالكندي ، والفارابي، وابن سينا، وابن رشد، وغيرهم مجرد امتداد للروح الهلينية في العالم الإسلامي. لكن علماء الإسلام وفلاسفته أبدعوا المنهج الإسلامي الاستقرائي التجريبي الذي يبين العلة الحقيقية لنقد المسلمين للمنطق الأرسطوطاليسي :إن هذا المنطق يقوم على المنهج القياسي La méthode déductive  لأنه يمثل روح الحضارة اليونانية القائمة على النظر الفلسفي والفكري، ولم تترك الحضارة اليونانية للتجربة مكانا في هذا المنهج ،الشيء الذي يمثل النقيض عند المسلمين والمتمثل في الاعتماد على العقل و التجربة  وهما إحدى ركائز المنهج في  الإسلام الكبرى.

 

هناك تعليقان (2):