إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 2 ديسمبر 2015

السؤال في الفلسفة

السؤال في الفلسفة
لم تشتهر الفلسفة بشيء اشتهارها بممارسة السؤال، ولم يطبق المشتغلون بها على شيء إطباقهم على هذا الصنف؛ لكن لنتأمل هذه الحقيقة قليلا، حتى نتبين أن السؤال الفلسفي[1] لم يكن شكلا واحدا، و إنما كان أشكالا اختلفت باختلاف أطوار هذه الممارسة؛ ولا يخفى أن أبرز هذه الأشكال شكلان اثنان: السؤال القديم الذي اختص به الطور اليوناني، والسؤال الحديث الذي ميز الطور الأوربي.
أما السؤال الفلسفي اليوناني القديم، فقد كان عبارة عن فحص؛ ومقتضى الفحص أن يختبر السائل دعوى محاوره بأن يلقي عليه أسئلة تضطره إلى أجوبة تؤول في الغالب إلى إبطال دعواه؛ وخير شاهد على هذا الفحص الفلسفي ممارسة " سقراط" للسؤال؛ فقد كان دأبه أن يبادر أحد مواطنيه بسؤال عام عن مفهوم مأخوذ من مجال الأخلاق على الخصوص، حتى إذا تلقى منه جوابا معينا، ألقى عليه مزيدا من الأسئلة الواضحة التي لا يجد المحاور بدا من الرد عليها بالإيجاب، معتقدا أن هذا الرد لا يضر في شيء جوابه الأول؛ فإذا فرغ "سقراط" من أسئلته التي تطول وتتشعب، مضى إلى الجمع بين أجوبة هذا المحاور المختلفة، مبرزا التناقض الصريح بين جوابه الأول وأجوبته الاضطرارية اللاحقة. 
وأما السؤال الفلسفي الأوربي الحديث، فهو عبارة عن نقد؛ ومقتدى النقد هو أن يسلم الناظر[2] بأية قضية ـ كائنة ما كانت ـ حتى يقلبها على وجوهها المختلفة، ويتحقق من تمام صدقها، متوسلا في ذلك بمعايير العقل وحدها؛ والفرق بين النقد و الفحص هو أن الأول يوجب النظر في المعرفة ويقصد الوقوف عند حدود العقل، في حين أن الثاني يوجب الدخول في الحوار ويقصد إفحام المحاور؛ وخير مثال على هذا النقد فلسفة " كانط" حيث إنه ذهب به إلى أقصى مداه، فلم يقف عند حد التساؤل عن موضوعات المعرفة، بل تعداه إلى التساؤل عن شرائط المعرفة، جاعلا العقل نفسه موضع تساؤل ـ لا المعارف التي يتوصل إليها فحسب ـ حتى سمي قرنه بقرن النقد؛ وأخذ الفلاسفة من بعده يحتذون إلى يومنا هذا حذوه في كل ما يخوضون فيه من الموضوعات، ويشتغلون به من المشكلات إلى أن أضحت هذه الممارسة النقدية تشمل كل شيء ولا تستثني إلا نفسها، وأضحينا معها لا نكاد نحصي الأعمال التي تحمل في عنوانها لفظ " النقد".[3]

تحليل نص : السؤال الفلسفي
الفهم
صاحب النص
نص لطه عبد الرحمن Taha . Abderrahman مفكر مغربي معاصر من أهم أعماله:" اللغة والفلسفة؛ و فقه اللغة؛
قضية النص
طبيعة السؤال الفلسفي ومكانته في الممارسة الفلسفية
الإشكال المركزي
ما طبيعة السؤال الفلسفي ؟ وما هي أنواعه ؟
التساؤلات
بم تتميز الممارسة الفلسفية ؟ وما معنى الفحص؟ و ما دلالة النقد ؟ و ما الفرق بينهما؟
التحليل
أفكار النص
 يبين طه أن الممارسة الفلسفية تتميز بالسؤال، غير أنه يميز بين نوعين منه: الأول خاص بالطور اليوناني أما الثاني فهو خاص بالطور الأوربي.
ويعد السؤال اليوناني من صنيعة سقراط، هذا الذي عنى بسؤال الفحص، والذي يهدف إلى تمحيص أجوبة محاوريه بإلقاء أسئلة تقوده إلى إبطال ما أثبته المحاور في بادئ الأمر. 
أما السؤال الحديث فسمته النقد، الذي يهدف إلى تقليب الحقائق و التيقن من مصداقيتها باتخاذ العقل معيارا وحيدا.
أما الفرق بين طبيعة السؤالين فهو أن يوجب الدخول في الحوار ويقصد إفحام المحاور  الأول أما الثاني يبتغي النظر في المعرفة و الوقوف عند حدود العقل؛ لتأتي جل الفلسفات اللاحقة لتنهل من هذا التراث متخذة النقد عنوانا للعديد من الدراسات الفلسفية.
مفاهيمه
السؤال:Question   فعل لساني قوامه الإعلام إما بوظيفة العبارة ، أو بمنطوق من خلال الإشارة.
الطور: الحقبة
الناظر: الممعن النظر أي المتأمل المفكر
شرائط: شروط
نقدcritique: في الأصل حكم ؛ قسم المنطق الذي يتناول الحكم. ولم تعد الكلمة تستعمل بهذا المعنى إذ أخذت دلالة اخرى: فحص مبدأ أو ظاهرة للحكم عليهأو عليها حكما تقويميا؛ ثمة نقد فني جمالي و نقد الحقيقة منطقي كان كانط قد حدده بهذا المعنى الواسع " فحص حر وعلني".
حجاجه
التعريف لكل من المفهومين الفحص و النقد
التمييز بين المفهومين
قيمته
فلسفية تبرز أهم نوع من أنواع الممارسة الفلسفية المتمثلة في السؤال
حدوده
الأطروحة تقتصر على بيان السؤال الفلسفي دون الكشف عن أدوات أخرى كا بين كارل ياسبرز





[1]  إضاءة واحد
[2]  الناظر : المقصود الفيلسوف المتأمل و الباحث عن الحقيقة.
[3] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى الدار البيضاء/ 2002 صفحات 13-14 

أدوات فعل التفلسف

أدوات فعل التفلسف

إن الأصل هو الينبوع الذي ينبثق منه على الدوام الدافع إلى التفلسف. بفضل هذا الدافع تغدو الفلسفة المعاصرة أمرا جوهريا، وبفضل هذا الدافع أيضا نستطيع أن نفهم فلسفة الماضي . هذا العنصر الأصيل متعدد الجوانب.  
فالدهشة تستتبع السؤال والمعرفة. والشك بصدد ما يعتقد الإنسان أنه يعرفه، يستتبع الفحص واليقين البين. واضطراب الإنسان، والشعور الذي يخامره وهو يواجه فكرة الموت، يقوده إلى التساؤل عن الذات.
فلنبدأ بتحديد هذه العوامل الثلاثة تحديدا دقيقا:
1.     ذكر أفلاطون أن أصل الفلسفة هو الدهشة. فالعين تجعلنا نشارك في مشهد النجوم والشمس وجرم السماء. هذا المشهد " يفضي بنا إلى دراسة العالم قاطبة، ومن هنا تنشأ الفلسفة بالنسبة إلينا وهي أسمى الخيرات التي خصت بها الآلهة الإنسان الذي عليه حق الفناء".
ويذكر أرسطو " أن الدهشة هي التي دفعت الناس إلى التفلسف" إن الدهشة هي التي تدفع الإنسان إلى المعرفة، فحين اندهش فمعنى هذا إنني أشعر بجهلي.[1] إني أبحث عن المعرفة، ولكن لكي أعرف فحسب، لا لكي أرضي حاجة مألوفة اعتيادي. إن التفلسف معناه التيقظ للإفلات من روابط الضرورة الحيوية.
2.     وحالما تهدأ دهشتي، ويكف تعجبي بفضل معرفة الواقع، حينئذ يثور الشك[2]. والحقيقة أن المعارف قد اجتمعت، ولكنها ما تكاد تجتمع حتى ينهض الإنسان بفحصها نقديا، ينتفي معه اليقين في كل شيء:
فالإدراك الحسية مشروطة بحواسنا، وهي تخدعني، وصور تفكيرنا تنتمي إلى عقلنا البشري،   وهي تمتزج في متناقضات لا حل لها وإذا رغبت في التفلسف تملكني الشك، وحاولت أن أمضي معه إلى نهاية الشوط. وإذ أمارس الشك، يكون في مقدوري إما أن أنساق وراء شهوة الإنكار أو أبحث عن يقين يفلت بي من قبضة الشك، ويصمد امام كل فحص نقدي صادق. إن عبارة ديكارت المشهورة: " أنا أفكر، أنا موجود"[3] بدت له أنها لا تقبل الشك في اللحظة التي كان يشك فيها في كل ما عداها، وإذ يغدو الشك منهجيا يستتبع فحصا نقديا لكل معرفة. من هنا نخلص إلى أنه ليس ثمة فلسفة حقيقية دون أن يكون هنالك شك في الأصل. 
3.     حين أستغرق في معرفة موضوعات العالم، وفي ممارسة الشك الذي يقودني إلى اليقين، فإنني أنشغل حينئذ بالأشياء، ولا أفكر في نفسي، في مصيري، وفي سعادتي؛ بل بالعكس من ذلك، أكون مسرورا إذ أنسى ذاتي حين أكتسب هذه المعارف الجديدة، لكن، الأمر سيتغير حين أعي ذاتي و أتأمل حالي، فلنتأمل بعض الشيء في حالنا نحن البشر، نجد أنفسنا دائنا نعيش في وضعيات أساسية محددة تنطوي عليها حياتنا. نسميها وضعيات[4] نهائية، لا نستطيع أن نتجاوزها ولا طاقة لنا على تغييرها. إن وعينا بهذه الوضعيات، معناه أننا نبلغ بعد الدهشة و الشك إلى أعمق أصل للفلسفة.[5]
j       الإضاءة 1
 اندهاش الفكر يعبر عن نفسه بالسؤال.
هيدجر، آليثيا، ترجمة الغفار مكاوي، ضمن كتاب نداء الحقيقة، دار الثقافة للطباعة و النشر. مصر1977 صفحة 367
j       الإضاءة 2
لما فكرت خاصة فيما يمكن أن يجعل الشيء عرضة للشك، ويحملنا على الوقوع في الخطأ، نزعت من عقلي جميع الأخطاء التي أمكنها التسرب فيه من قبل. وما كنت في ذلك مقلدا الريبيين، الذين لا يشكون إلا للشك، ويتظاهرون دائما بالتردد، لان غرضي كله كان على عكس ذلك، إلا إلى الظفر باليقين.
ديكارت، مقال في المنهج، مرجع سابق، صفحة 126


تحليل نص : أدوات فعل التفلسف
الفهم
صاحب النص
نص لكارل ياسبرز Karl Jaspers (1883ـ  1969) فيلسوف وطبيب ألماني ،مار الطب النفسي أول مرة في عيادة الأمراض العصبية 1909  وفي الجامعة بصفته أستاذا ابتداءا من سنة 1913  لكنه خطا بخطوة فاصلة بين علم النفس و الفلسفة، وهو تطور يمكن فصله بين مؤلفيه الأول :" علم النفس العام" و الثاني :" علم النفس تصورات العالم". وله من المؤلفات التأملية الفلسفية "الإثم الألماني؛ أصل التاريخ ومعناه؛ و من أهم أعماله:" مدخل إلى الفلسفة.
قضية النص
الفلسفة تفكير يستدعي الدهشة و الشك و المساءلة
الإشكال المركزي
ما هي أدوات التفكير الفلسفي ؟
التساؤلات
ما الصلة بين فكرة الأصل و الفلسفة سواء الماضية أو المعاصرة؟ هل الدهشة فعل من أفعال التفلسف؟ وما طبيعة الشك و ما دوره ؟ وهل تستقر النفس بجواب أم أنها تتمتع دائما بحس المساءلة؟
التحليل
أفكار النص
 يظل الدافع للتفلسف في الفلسفة الماضية كما في الفلسفة المعاصرة هو هو متخذا فكرة الأصل أو العلة الأولى مسالة أساسية في التفكير الفلسفي. لذلك ظلت التساؤلات مصاحبة للإنسان نظرا لتوجسه خيفة من مصيره الذي يواجه فكرة الموت، لهذا كانت دهشته مسألة ملازمة تحثه على دفع الحيرة بالسؤال وطلب المعرفة لإرواء ظمأه وإسكان اضطرابه الذي يهدف الفحص و وبلوغ عتبة اليقين. غير أن سعادة الإنسان ما تلبث أن تهدأ من دهشتها و شكها في هذا العالم المريب الذي قدمت له بعض الأجوبة، حتى تنتقل النفس إلى درجات متعالية من الفكر تصل فيها للتأمل و مساءلة الذات.
ويشترك كل من أفلاطون وأرسطو بالقول أن الدافع للتفلسف هو الدهشة، فإذا كان حظ الإنسان التفكير والتمتع بالتأمل في مظاهر هذا الكون ، فإنه لا محالة يندهش من العوالم التي تفوقه دون تسيطر عليه،  إن الدافع للفلسفة لا يتوخى معرفة لإسكات حاجة ضرورية بقدر ما يهدف للإجابة عن الأسئلة الكبرى التي تؤرق فكر الإنسان؛ ومنها فكرة الموت.
لكن ما يلبث الإنسان أن يستقر على جواب و يستكين إليه حتى يدفعه الشك و الفحص لممارسة النقد لكل المعارف السابقة من اجل تقليبها وتمييزها حتى تكون أكثر دقة وأقرب إلى الحقيقة ما لم تكن حقه. لهذا كان الشك المنهجي الإيجابي أصلا للفلسفة.
وإذا ما استقرت النفس وسكنت إلى ما حصلت من أجوبة بعد الدهشة و الشك، تحس بالسعادة الغامرة تصاحبها درجة عالية من الوعي التأملي للنفس و العالم، حيث تكتشف أن الإنسان مغمور بجملة من الضرورات التي لا مناص له منها، تحكم وجوده وكيانه؛ هذا الكشف هو ما ينبئ الإنسان أنه بلغ من التفلسف أعمق مراحل من الدهشة إلى الشك نحو التأمل المصاحب بمساءلة الذات.
مفاهيمه
الأصل: المبدأ الأول الذي يرجع إليه الفكر؛ مسألة أصل الأفكار أو أصل معارفنا. يمكن إن يقصد به إما الفرد أو البشرية جمعاء؛ وإما النظام النفسي أو الإبستيمولوجي أو العرفاني.
التساؤل: طلب السؤال بحدة
الدهشة: الاستغراب
الشك: الريبة اضطراب عقلي متميز بصعوبة، أو حتى باستحالة التوصل إلى إقرارات أو إلى قرارات جازمة في الأحوال التي تتم فيها الوظائف عادة ، وظائف الحكم و الإرادة بلا معاندة.
فحص: إمعان النظر في الأمور؛ نقد :في الأصل حكم ؛ قسم المنطق الذي يتناول الحكم. ولم تعد الكلمة تستعمل بهذا المعنى إذ أخذت دلالة أخرى: فحص مبدأ أو ظاهرة للحكم عليهأو عليها حكما تقويميا؛ ثمة نقد فني جمالي و نقد الحقيقة منطقي كان كانط قد حدده بهذا المعنى الواسع " فحص حر وعلني".
وضعيات نهائية: مجموع الإكراهات و الحتميات
حجاجه
التأكيد المصاحب بأداة التوكيد " إن"
التقسيم لأجل بيان مراحل النص
قيمته
فلسفية معاصرة تبرز طبيعة التفكير الفلسفي من خلال بيان أدواته
حدوده
الأطروحة تقتصر على بيان ثلاث عناصر كأصل للتفكير الفلسفي دون الحديث عن انواع أخرى منها مثلا الحدس الفلسفي كما بين نيتشه.

[1]  أنظر الإضاءة واحد
[2]  أنظر الإضاءة اثنان
[3]  أي اثبات الوجود الذاتي من خلال عملية التفكير
[4]  الوضعيات: هي مجموع إكراهات و حتميات تتحكم في الوجود الإنساني و تطرح كعوامل لا دخل للإرادة البشرية فيها.
[5]  ك. ياسبرز ، مدخل إلى الفلسفة، ترجمة محمد الشنيطي(مع بعض التعديلات) دار القاهرة 1967الصفحات 55ـ 59

منطق التفكير الفلسفي

منطق الفلسفة

غالبا ما توصف الفلسفة بأنها فعل من الوجود والمعرفة موضوع تفكيرها. والسير في طريق الفلسفة يقتضي التساؤل والبحث عن منهج كفيل بتحقيق المعرفة الحقة. فكيف يتم التفكير الفلسفي وما هو منطقه الخاص؟ لعل تاريخ الفلسفة منذ نشأتها في القرن السادس قبل الميلاد إلى اليوم يثبت ثراءها و جديتها في كشف حقيقة الوجود و طبيعة الإنسان. لكن الفلسفة على الرغم من محاولتها تنوير العقل إلا أنها تتملص دائما من تعريف خاص بها ييسر على مريدها الإمساك بتلابيبها المتجذرة في عمق تاريخ الفكر الإنسانية. فما الذي يميز الفلسفة عن غيرها من باقي العلوم و الآداب؟ و ما طبعة آلياتها الفكرية و المنهجية؟

1)    التفكير الفلسفي
          بالرغم من اختلاف أشكال التعبير الفلسفي باختلاف الفلاسفة, فإن الفلسفة تبدأ بالاندهاش  L’étonnement. والدهشة كما يقول أرسطو هي التي دفعت الناس إلى التفلسف، وكما يذهب إلى ذلك شوبنهاور فالدهشة من الأمور المتعلقة بالموت والألم والبؤس في الحياة، كانت هي الدافع الأقوى للتفكير الفلسفي والتفسير الميتافيزيقي للعالم. إن الاندهاش من الظواهر التي يعرفها الوجود، خاصة تلك التي لم يستطيع الإنسان أن يجد لها تفسيرا و جعلته يتساءل، أو بقول هيدغر " إن اندهاش الفكر يعبر عن نفسه بالتساؤل". لكنه تساؤل يحتاج إلى أجوبة أكثر إقناعا خاصة إذا ماسلمنا مع شوبنهاور بأن الدهشة الفلسفية تفترض في الفرد درجة أعلى من التعقل، بحيث ينقلب الاندهاش من الوجود والعالم الذي لاينفك يمثل لغزا للإنسان في الفلسفة إلى مجموعة من الأسئلة المترابطة في ما بينها. وهذا يحيلنا إلى طبيعة السؤال الفلسفي وخصائصه ومميزاته ووظائفه.
2)      السؤال في الفلسفة
           صحيح أن كل الناس يتساءلون، لكن السؤال العادي يفترض إجابة بسيطة ونهائية،لكن التساؤل الفلسفي يتميز بالقصدية والشك القبلي في الجواب، كما يهدف إلى هدم الاعتقاد القبلي في امتلاك الجواب أو المعرفة، وهو سؤال ليس منعزلا بل ينتظم داخل تساؤل فلسفي متناسق يجعل الجواب ذي طابع دقيق وبرهاني. بحيث يتمظهر هذا الجواب الفلسفي في صيغة خطاب فلسفي ضمن خطابات أخرى متعددة، لذا فهو يسعى إلى إثبات صدقيته وتماسكه المنطقي.
 إن السؤال كخاصية أساسية للتفكير الفلسفي هو خاصية ملازمة لتاريخ الفلسفة وموجود منذ بداياتها, إذ كان سقراط يرتكز في محاوراته أساسا على طرح الأسئلة وذلك قصد بناء معرفة حقيقية بعيدة عن الوهم والاعتقاد البديهي بامتلاك حقائق الأشياء. وهو اعتقاد غالبا ما يحاربه الفيلسوف من خلال بوضع الحقائق بمحك الفحص والنقد. الشيء الذي أدى إلى أن تنتج الفلسفة إحدى آليات فعل التفلسف وهي" الشك المنهجي" على يد  رينيه ديكارت.
 الشك يقتضي وضع كل الأشياء موضع تساؤل، وذلك قصد الوصول إلى الحقيقة، وبتعبير ديكارت إن أحكاما كثيرة تمنعنا من الوصول للحقيقة وتتشبث بنفوسنا تشبثا يبدوا لنا معه أنه من المحال أن نتخلص منها ما لم نشرع بالشك في جميع الأشياء التي قد نجد فيها أدنى شبهة من قلة اليقين. إن الشك، كتجربة تعيشها الذات تجاه حقائق معينة، يعمل على نقد وفحص أسس هذه الأحكام وإعادة بناءها على أسس أكثر عقلانية، على اعتبار أن العقلانية أساس من أسس فعل التفلسف. فإذا كان الفيلسوف يتفلسف بدافع من اندهاشه، ومن أجل المعرفة الحقة، وبفعل شكه المنهجي، فإنه يتفلسف كذلك انطلاقا من ضرورة إعمال العقل والنقد، أي أن التفلسف يقوم على النظر العقلي الذي يفحص موضوعه من أجل معرفته معرفة حقه. لأن العقل هو مصدر معارفنا.
3)    غاية التفكير الفلسفي
لا بد من الإشارة إلى أن التفكير الفلسفي يخضع للصرامة المنطقية، أي إلى وجود روابط عقلية بين المقدمات التي ينطلق منها الفيلسوف والنتائج التي يتوصل إليها، هذا من جهة ومن جهة ثانية وجود علاقة منطقية بين نظريات الفلسفة سواء تعلق الأمر بنظريات في الوجود أو المعرفة أو القيم. فما هي القيم التي دافعت عنها الفلسفة؟
 يجيب "إريك فايل" على هذا السؤال بأن الفيلسوف يسعى إلى أن يختفي العنف، بكل أنواعه المادية والرمزية من العالم. ويقدم جون لوك إجابة أخرى مفادها أنه لابد من المحافظة على كل الحقوق الإنسانية والمدنية، وذلك بإضافة العدالة إلى واجبات الإحسان والمحبة. فالفلسفة بهذا المعنى تسعى إلى إنتاج قيم إنسانية نبيلة ومثل عليا باعتبارها غاية قصوى للوجود الإنساني مثل الإيمان بالاختلاف والحوار والتسامح ونبد التعصب واحترام حقوق الإنسان. كما تقف الفلسفة في مواجهة مسخ الوجود البشري والمس بقيمته وتشويه كينونته بسبب التقدم العلمي والتكنولوجي. وهي إحدى الوظائف التي تبرر حضور الفلسفة فتتنبؤ بمستقبل زاهر لها. وكما ينص اريك فايل فالفلسفة تنتعش خلال الفترات التي بكل تأكيد هي فترات البؤس المطلق. فالفيلسوف يقف بأسئلته محاولا إعادة النظر في الظواهر التي تعمل على تنميط الإنسان وتشييئه وإن كانت تبدو بديهية للعامة.
·       خاتمة

إن الفلسفة تجعل من الوجود الإنساني وقضاياه الميتافيزيقية موضوعا لها، كما تجعل من نتائج المعرفة موضوعا للتأمل. إضافة إلى ذلك فإن التفكير الفلسفي يهتم بالقيم، وعلى المستوى المنهجي فإن للتفكير الفلسفي توابث تجعل منه تفكيرا متميزا عن باقي أنماط التفكير الأخرى. إنه تفكير يعتمد على الدهشة والتساؤل والشك المنهجي، كما أنه تفكير نقدي، و شمولي، وعقلاني ونسقي. والذين يتساءلون عن دور الفلسفة وعن فائدتها اليوم إنما يعلنون عن سر الفلسفة من حيث هي خطاب ضد العنف بجميع  أشكاله وضد تشييء الإنسان أمام التقدم العلمي والتكنولوجي وضد الخطاب الواحد، وبهذا المعنى يمكن أن نردد مع أوليفر ليمان  "إننا قد نكون على أعتاب مجتمع مابعد الحداثة إلا أننا لسنا على أعتاب مجتمع ما بعد الفلسفة".