إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 2 ديسمبر 2015

منطق التفكير الفلسفي

منطق الفلسفة

غالبا ما توصف الفلسفة بأنها فعل من الوجود والمعرفة موضوع تفكيرها. والسير في طريق الفلسفة يقتضي التساؤل والبحث عن منهج كفيل بتحقيق المعرفة الحقة. فكيف يتم التفكير الفلسفي وما هو منطقه الخاص؟ لعل تاريخ الفلسفة منذ نشأتها في القرن السادس قبل الميلاد إلى اليوم يثبت ثراءها و جديتها في كشف حقيقة الوجود و طبيعة الإنسان. لكن الفلسفة على الرغم من محاولتها تنوير العقل إلا أنها تتملص دائما من تعريف خاص بها ييسر على مريدها الإمساك بتلابيبها المتجذرة في عمق تاريخ الفكر الإنسانية. فما الذي يميز الفلسفة عن غيرها من باقي العلوم و الآداب؟ و ما طبعة آلياتها الفكرية و المنهجية؟

1)    التفكير الفلسفي
          بالرغم من اختلاف أشكال التعبير الفلسفي باختلاف الفلاسفة, فإن الفلسفة تبدأ بالاندهاش  L’étonnement. والدهشة كما يقول أرسطو هي التي دفعت الناس إلى التفلسف، وكما يذهب إلى ذلك شوبنهاور فالدهشة من الأمور المتعلقة بالموت والألم والبؤس في الحياة، كانت هي الدافع الأقوى للتفكير الفلسفي والتفسير الميتافيزيقي للعالم. إن الاندهاش من الظواهر التي يعرفها الوجود، خاصة تلك التي لم يستطيع الإنسان أن يجد لها تفسيرا و جعلته يتساءل، أو بقول هيدغر " إن اندهاش الفكر يعبر عن نفسه بالتساؤل". لكنه تساؤل يحتاج إلى أجوبة أكثر إقناعا خاصة إذا ماسلمنا مع شوبنهاور بأن الدهشة الفلسفية تفترض في الفرد درجة أعلى من التعقل، بحيث ينقلب الاندهاش من الوجود والعالم الذي لاينفك يمثل لغزا للإنسان في الفلسفة إلى مجموعة من الأسئلة المترابطة في ما بينها. وهذا يحيلنا إلى طبيعة السؤال الفلسفي وخصائصه ومميزاته ووظائفه.
2)      السؤال في الفلسفة
           صحيح أن كل الناس يتساءلون، لكن السؤال العادي يفترض إجابة بسيطة ونهائية،لكن التساؤل الفلسفي يتميز بالقصدية والشك القبلي في الجواب، كما يهدف إلى هدم الاعتقاد القبلي في امتلاك الجواب أو المعرفة، وهو سؤال ليس منعزلا بل ينتظم داخل تساؤل فلسفي متناسق يجعل الجواب ذي طابع دقيق وبرهاني. بحيث يتمظهر هذا الجواب الفلسفي في صيغة خطاب فلسفي ضمن خطابات أخرى متعددة، لذا فهو يسعى إلى إثبات صدقيته وتماسكه المنطقي.
 إن السؤال كخاصية أساسية للتفكير الفلسفي هو خاصية ملازمة لتاريخ الفلسفة وموجود منذ بداياتها, إذ كان سقراط يرتكز في محاوراته أساسا على طرح الأسئلة وذلك قصد بناء معرفة حقيقية بعيدة عن الوهم والاعتقاد البديهي بامتلاك حقائق الأشياء. وهو اعتقاد غالبا ما يحاربه الفيلسوف من خلال بوضع الحقائق بمحك الفحص والنقد. الشيء الذي أدى إلى أن تنتج الفلسفة إحدى آليات فعل التفلسف وهي" الشك المنهجي" على يد  رينيه ديكارت.
 الشك يقتضي وضع كل الأشياء موضع تساؤل، وذلك قصد الوصول إلى الحقيقة، وبتعبير ديكارت إن أحكاما كثيرة تمنعنا من الوصول للحقيقة وتتشبث بنفوسنا تشبثا يبدوا لنا معه أنه من المحال أن نتخلص منها ما لم نشرع بالشك في جميع الأشياء التي قد نجد فيها أدنى شبهة من قلة اليقين. إن الشك، كتجربة تعيشها الذات تجاه حقائق معينة، يعمل على نقد وفحص أسس هذه الأحكام وإعادة بناءها على أسس أكثر عقلانية، على اعتبار أن العقلانية أساس من أسس فعل التفلسف. فإذا كان الفيلسوف يتفلسف بدافع من اندهاشه، ومن أجل المعرفة الحقة، وبفعل شكه المنهجي، فإنه يتفلسف كذلك انطلاقا من ضرورة إعمال العقل والنقد، أي أن التفلسف يقوم على النظر العقلي الذي يفحص موضوعه من أجل معرفته معرفة حقه. لأن العقل هو مصدر معارفنا.
3)    غاية التفكير الفلسفي
لا بد من الإشارة إلى أن التفكير الفلسفي يخضع للصرامة المنطقية، أي إلى وجود روابط عقلية بين المقدمات التي ينطلق منها الفيلسوف والنتائج التي يتوصل إليها، هذا من جهة ومن جهة ثانية وجود علاقة منطقية بين نظريات الفلسفة سواء تعلق الأمر بنظريات في الوجود أو المعرفة أو القيم. فما هي القيم التي دافعت عنها الفلسفة؟
 يجيب "إريك فايل" على هذا السؤال بأن الفيلسوف يسعى إلى أن يختفي العنف، بكل أنواعه المادية والرمزية من العالم. ويقدم جون لوك إجابة أخرى مفادها أنه لابد من المحافظة على كل الحقوق الإنسانية والمدنية، وذلك بإضافة العدالة إلى واجبات الإحسان والمحبة. فالفلسفة بهذا المعنى تسعى إلى إنتاج قيم إنسانية نبيلة ومثل عليا باعتبارها غاية قصوى للوجود الإنساني مثل الإيمان بالاختلاف والحوار والتسامح ونبد التعصب واحترام حقوق الإنسان. كما تقف الفلسفة في مواجهة مسخ الوجود البشري والمس بقيمته وتشويه كينونته بسبب التقدم العلمي والتكنولوجي. وهي إحدى الوظائف التي تبرر حضور الفلسفة فتتنبؤ بمستقبل زاهر لها. وكما ينص اريك فايل فالفلسفة تنتعش خلال الفترات التي بكل تأكيد هي فترات البؤس المطلق. فالفيلسوف يقف بأسئلته محاولا إعادة النظر في الظواهر التي تعمل على تنميط الإنسان وتشييئه وإن كانت تبدو بديهية للعامة.
·       خاتمة

إن الفلسفة تجعل من الوجود الإنساني وقضاياه الميتافيزيقية موضوعا لها، كما تجعل من نتائج المعرفة موضوعا للتأمل. إضافة إلى ذلك فإن التفكير الفلسفي يهتم بالقيم، وعلى المستوى المنهجي فإن للتفكير الفلسفي توابث تجعل منه تفكيرا متميزا عن باقي أنماط التفكير الأخرى. إنه تفكير يعتمد على الدهشة والتساؤل والشك المنهجي، كما أنه تفكير نقدي، و شمولي، وعقلاني ونسقي. والذين يتساءلون عن دور الفلسفة وعن فائدتها اليوم إنما يعلنون عن سر الفلسفة من حيث هي خطاب ضد العنف بجميع  أشكاله وضد تشييء الإنسان أمام التقدم العلمي والتكنولوجي وضد الخطاب الواحد، وبهذا المعنى يمكن أن نردد مع أوليفر ليمان  "إننا قد نكون على أعتاب مجتمع مابعد الحداثة إلا أننا لسنا على أعتاب مجتمع ما بعد الفلسفة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق