إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 30 أبريل 2018

مجزوءة الطبيعة و الثقافة


مجزوءة الطبيعة و الثقافة
                           ·            تقديم
ان محاولة فهم الإنسان تبدأ بمعرفة المشترك و الخاص بين نفس الجنس البشري من جهة ، و من جهة أخرى بينه وبين باقي الكائنات الطبيعية. لقد عرف الفلاسفة الإنسان بأنه " حيوان عاقل أو ناطق" . ومعنى الحيوان هو الكائن الحي، ويشترك في هذه الصفة كل من النباتات و الإنسان و الجوارح بمعنى جنس الحيوانات. وبما أن الإنسان يدخل في عموم جمع الحيوانات، فإنه يتميز عنها بالنطق و العقل . فهل يسعفنا هذا التعريف للتمييز بين ما هو طبيعي في الإنسان و ثقافي فيه؟
المحور الأول : التمييز بين الطبيعة و الثقافة
                          I.            مفهوم الطبيعة البشرية
تعني الطبيعة ما يشمل الكائنات الحية خاصة و أيضا الجمادات. وترتبط الطبيعة البشرية بخصائص بيولوجية حيوية، تتصل بالتزاوج و النمو، والتي تجعل من الإنسان صنفا من الحيوانات الثدية ـ أي الكائنات الحية التي تتوالد وتحتاج للرضاعة في مراحل نموها الأولى. كما يشير هذا المفهوم إلى الغريزة و الفطرة، بمعنى السلوك الذي يشترك فيه كل بني البشر من حيث احتياجاتهم وردود أفعالهم اتجاه هذه الاحتياجات الأساسية، من غريزة حب البقاء و غريزة التملك.
 ويتكون النوع البشري من جنسين ذكر و أنثى وعن طريقهما يتم التناسل الطبيعي الذي يضمن استمرار الكائن البشري. وللحفاظ على النوع يحمي الإنسان نفسه من تقلبات المناخ الطبيعية و مخاطرها كما يسعى للاستفادة من غلاتها الغذائية. لكن الإنسان طور علاقته بالطبيعة وبنفسه على غير باق الكائنات الأخرى ليسير نحو الثقافة.
                        II.            مفهوم الثقافة البشرية
يعتبر ستراوس أن آلية التمفصل هي الأداة التي تمكن العالم من فهم الانتقال من الطبيعة إلى الثقافة . وقد حدد العالم الأنتروبولوجي أن مفهوم القاعدة هو ما يمكننا من فهم المواقف الاجتماعية ، لأنه عبارة عن نظام ثقافي يحدده المجتمع من أجل التمييز بين المباح والممنوع. كما أن معيار الكونية هو ما يحدد السلوك الغريزي و الطبيعي. ليستنتج في الأخير أن آلية التمفصل تقوم على معيار القاعدة و المعيار الكوني و العام، الأول خاص بمعرفة ما هو مكتسب و ثقافي  أما الثاني متصل بما هو طبيعي وفطري.
                           ·            خاتمة
يتبين في الأخير أن الأصل في الإنسان هو كونه كائن طبيعي بيولوجي يشترك مع باقي الكائنات الحية في تلبية حاجاته الأساسية. لكنه يمتاز عنها بالقدرة على الاكتساب و خلق نموذج خاص به في نمط الحياة وهو الثقافة . وقد أبرز علماء البحث في الحياة الإنسانية أن مشكلة التمييز بين ما هو طبيعي و ثقافي و إن كانت معقدة فهي تخضع لمفهومي القاعدة وما هو عام.





مجزوءة الطبيعة و الثقافة
المحور الثاني : الإنسان كائن ثقافي
                           ·            تقديم
اختلف الأنثربولوجيون في تعريف مفهوم الثقافة ، لكنهم أقروا بأن الإنسان هو وحده من يتجاوز الطبيعة و يشيد الحضارة.  وعلى الرغم من ذلك  ظل سؤال "ما الذي يميز الثقافة الإنسانية ؟ و ما الذي يجعل من الإنسان كائنا ثقافيا؟ " حاضرا في دراسات الأنثربولوجيين. 
                           I.            مظاهر الثقافة الإنسانية
يرفض ستراوس أن تكون الصناعة علامة مميزة للإنسان و اتخاذها دليلا على انتمائه لعالم الثقافة. ويعتبر أن اللغة هي ما يميز الإنسان ثقافيا على ثلاث مستويات: أولا لأن اللغة هي جزء من الثقافة وتلك الاستعدادات المكتسبة، وثانيا تشكل اللغة الوسيلة والأداة لاكتساب الثقافة، وأخيرا هي تعد النموذج و النسق الذي يخول لنا فهم كل تفاصيل الحياة الإنسانية.
                        II.            الإنسان ونمط الثقافة
ما يميز الاجتماع البشري أنه يقوم بتحويل الاحتياجات البشرية الطبيعية إلى نظام. و قد أخذ هذا النمط من التنظيم معنى القانون الذي يحدد طبيعة العلاقات ويحفظ الحقوق و الواجبات. إنه مجموعة من القواعد التي تؤطر السلوك الإنساني عبر الأخلاق ومختلف التقاليد والقوانين التي يسنها المجتمع. ويعد الميثاق روح المؤسسة الإنسانية، لأنه بمثابة العقل والركيزة التي يتحدد بواسطتها السلوك المباح والممنوع والواجب أيضا، كما يشكل المعيار الذي من خلاله يصدر المرء أحكام القيمة اتجاه ما يشاهده بكونه حسنا أو قبيحا.
                           ·            خاتمة
الإنسان كائن ثقافي لأنه استطاع أن ينتقل بوعيه من المستوى المحسوس الطبيعي إلى المستوى المجرد الثقافي. وعن طريق اللغة وباقي مظاهر الثقافة قام الإنسان بتحويل حاجاته الأساسية إلى نظام يندرج داخل ميثاق. لكن السؤال الذي يجب فهمه الآن : هل استطاع الإنسان التحكم في الطبيعة والتحرر منها لتخدم مصالحة ؟







مجزوءة الطبيعة و الثقافة
المحور الثالث : الطبيعة والنشاط الإنساني
                            ·            تقديم
منذ أن وجد الإنسان على الأرض وهو مطالب بالبقاء على قيد العيش. هذا المبدأ الغريزي دفع الإنسانية للتطور والارتقاء، من خلال توسل كل الطرق للحفاظ على حياته. ولهذا انتقل من عبادة الأنهار مثلا إلى بناء السدود لمواجهة خوفه من الفيضانات. فكيف تمكن الإنسان من السيطرة على الطبيعة؟
                          I.            الإنسان سيد الطبيعة
استطاع الإنسان منذ بدايات وجوده الوصول لفكرة إشعال النار و الاحتفاظ بها متقدة. و انتقلت قوة الإنسان من يده إلى استعمال العقل الذي يمكنه و يخوله من الاستفادة بما تحبل به الطبيعة. وقد سبق ابن سينا في بيان أن الفلسفة النظرية والعملية تستوجب على الإنسان السعي للسعادة وأن يعمل لها بالنظر و الكد. وذكر الفيلسوف ديكارت في القرن السابع عشر أن العمل بالفلسفة التجريبية يسعف الإنسان لنيل الخير الوفير.  ذلك أن العلم التجريبي يمكن البشرية من فهم قوانين الطبيعة للتنبؤ بمخاطرها و السيطرة عليها من خلال استغلالها.
                      II.            نحو الانسجام مع الطبيعة
بدأ الإنسان حياته في الطبيعة، وحاول الاستفادة منها للحفاظ على حياته. هذا الاحتياج جعله في البدء يحاول التمكن منها لأنه وجد نفسه مغلوبا أمامها، مما دفعه خوفا لتأليهها، ثم بعد ذلك اتخذ منها طوطما "صنما" كرمز للحفاظ وللحماية على حياته للاستنجاد بالقوى الطبيعية منها.
وبتقدم التاريخ استطاع الإنسان أن يستنبط و يستقرئ بالعقل ما في نفسه و الطبيعة. فاكتشف طبيعته واصطدم بحقائق ثلاث، قال عنها المحلل النفسي "سيغموند فرويد" : أن الإنسانية تعرضت لصدمة وجودية مع "كوبرنيك" حين أقر بمركزية الشمس بدل الأرض ودورانها حول نفسها . ثم العالم البيولوجي "دارون" الذي بين بالاستقراء حقيقية أصل النوع الإنساني الحيواني، ليضيف "فرويد" هوان نفس الإنسان على نفسه الذي يسيره لا شعوره .
وعلى الرغم من كل التقدم الذي شهدته الإنسانية فإن وقع الحرب العالمية الأولى و الثانية و حرب الخليج، و الإفراط في الصناعة التي أدت للاحتباس الحراري. أدى كل هذا لإعادة السؤال الأخلاقي نحو الطبيعة التي شعر نبلاؤها بظلم الإنسان لها، " إن الاعتقاد بالسيطرة على الطبيعة ومحاولة تغييرها لن يؤدي إلا إلى نتائج عكسية ، مفادها أن الطبيعة لن ترحم الإنسان من جراء محاولته لتغيير فطرتها، ومن أجل سلامة الإنسان عليه الانتباه بالالتزام أخلاقيا نحوها".
·        خاتمة
قال أبو حيان التوحيدي " لقد أشكل الإنسان على الإنسان " فحقيقة لازال الانسان يحير نفسه. يطمح تارة للسيطرة على الطبيعة و تارة للسيطرة على الجمهور وتارة أخرى للسيطرة على نفسه. فهل يقبل  الانسان بالتعدد و الاختلاف أم أنه سيظل في غيه النرجسي؟