إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 2 ديسمبر 2015

أدوات فعل التفلسف

أدوات فعل التفلسف

إن الأصل هو الينبوع الذي ينبثق منه على الدوام الدافع إلى التفلسف. بفضل هذا الدافع تغدو الفلسفة المعاصرة أمرا جوهريا، وبفضل هذا الدافع أيضا نستطيع أن نفهم فلسفة الماضي . هذا العنصر الأصيل متعدد الجوانب.  
فالدهشة تستتبع السؤال والمعرفة. والشك بصدد ما يعتقد الإنسان أنه يعرفه، يستتبع الفحص واليقين البين. واضطراب الإنسان، والشعور الذي يخامره وهو يواجه فكرة الموت، يقوده إلى التساؤل عن الذات.
فلنبدأ بتحديد هذه العوامل الثلاثة تحديدا دقيقا:
1.     ذكر أفلاطون أن أصل الفلسفة هو الدهشة. فالعين تجعلنا نشارك في مشهد النجوم والشمس وجرم السماء. هذا المشهد " يفضي بنا إلى دراسة العالم قاطبة، ومن هنا تنشأ الفلسفة بالنسبة إلينا وهي أسمى الخيرات التي خصت بها الآلهة الإنسان الذي عليه حق الفناء".
ويذكر أرسطو " أن الدهشة هي التي دفعت الناس إلى التفلسف" إن الدهشة هي التي تدفع الإنسان إلى المعرفة، فحين اندهش فمعنى هذا إنني أشعر بجهلي.[1] إني أبحث عن المعرفة، ولكن لكي أعرف فحسب، لا لكي أرضي حاجة مألوفة اعتيادي. إن التفلسف معناه التيقظ للإفلات من روابط الضرورة الحيوية.
2.     وحالما تهدأ دهشتي، ويكف تعجبي بفضل معرفة الواقع، حينئذ يثور الشك[2]. والحقيقة أن المعارف قد اجتمعت، ولكنها ما تكاد تجتمع حتى ينهض الإنسان بفحصها نقديا، ينتفي معه اليقين في كل شيء:
فالإدراك الحسية مشروطة بحواسنا، وهي تخدعني، وصور تفكيرنا تنتمي إلى عقلنا البشري،   وهي تمتزج في متناقضات لا حل لها وإذا رغبت في التفلسف تملكني الشك، وحاولت أن أمضي معه إلى نهاية الشوط. وإذ أمارس الشك، يكون في مقدوري إما أن أنساق وراء شهوة الإنكار أو أبحث عن يقين يفلت بي من قبضة الشك، ويصمد امام كل فحص نقدي صادق. إن عبارة ديكارت المشهورة: " أنا أفكر، أنا موجود"[3] بدت له أنها لا تقبل الشك في اللحظة التي كان يشك فيها في كل ما عداها، وإذ يغدو الشك منهجيا يستتبع فحصا نقديا لكل معرفة. من هنا نخلص إلى أنه ليس ثمة فلسفة حقيقية دون أن يكون هنالك شك في الأصل. 
3.     حين أستغرق في معرفة موضوعات العالم، وفي ممارسة الشك الذي يقودني إلى اليقين، فإنني أنشغل حينئذ بالأشياء، ولا أفكر في نفسي، في مصيري، وفي سعادتي؛ بل بالعكس من ذلك، أكون مسرورا إذ أنسى ذاتي حين أكتسب هذه المعارف الجديدة، لكن، الأمر سيتغير حين أعي ذاتي و أتأمل حالي، فلنتأمل بعض الشيء في حالنا نحن البشر، نجد أنفسنا دائنا نعيش في وضعيات أساسية محددة تنطوي عليها حياتنا. نسميها وضعيات[4] نهائية، لا نستطيع أن نتجاوزها ولا طاقة لنا على تغييرها. إن وعينا بهذه الوضعيات، معناه أننا نبلغ بعد الدهشة و الشك إلى أعمق أصل للفلسفة.[5]
j       الإضاءة 1
 اندهاش الفكر يعبر عن نفسه بالسؤال.
هيدجر، آليثيا، ترجمة الغفار مكاوي، ضمن كتاب نداء الحقيقة، دار الثقافة للطباعة و النشر. مصر1977 صفحة 367
j       الإضاءة 2
لما فكرت خاصة فيما يمكن أن يجعل الشيء عرضة للشك، ويحملنا على الوقوع في الخطأ، نزعت من عقلي جميع الأخطاء التي أمكنها التسرب فيه من قبل. وما كنت في ذلك مقلدا الريبيين، الذين لا يشكون إلا للشك، ويتظاهرون دائما بالتردد، لان غرضي كله كان على عكس ذلك، إلا إلى الظفر باليقين.
ديكارت، مقال في المنهج، مرجع سابق، صفحة 126


تحليل نص : أدوات فعل التفلسف
الفهم
صاحب النص
نص لكارل ياسبرز Karl Jaspers (1883ـ  1969) فيلسوف وطبيب ألماني ،مار الطب النفسي أول مرة في عيادة الأمراض العصبية 1909  وفي الجامعة بصفته أستاذا ابتداءا من سنة 1913  لكنه خطا بخطوة فاصلة بين علم النفس و الفلسفة، وهو تطور يمكن فصله بين مؤلفيه الأول :" علم النفس العام" و الثاني :" علم النفس تصورات العالم". وله من المؤلفات التأملية الفلسفية "الإثم الألماني؛ أصل التاريخ ومعناه؛ و من أهم أعماله:" مدخل إلى الفلسفة.
قضية النص
الفلسفة تفكير يستدعي الدهشة و الشك و المساءلة
الإشكال المركزي
ما هي أدوات التفكير الفلسفي ؟
التساؤلات
ما الصلة بين فكرة الأصل و الفلسفة سواء الماضية أو المعاصرة؟ هل الدهشة فعل من أفعال التفلسف؟ وما طبيعة الشك و ما دوره ؟ وهل تستقر النفس بجواب أم أنها تتمتع دائما بحس المساءلة؟
التحليل
أفكار النص
 يظل الدافع للتفلسف في الفلسفة الماضية كما في الفلسفة المعاصرة هو هو متخذا فكرة الأصل أو العلة الأولى مسالة أساسية في التفكير الفلسفي. لذلك ظلت التساؤلات مصاحبة للإنسان نظرا لتوجسه خيفة من مصيره الذي يواجه فكرة الموت، لهذا كانت دهشته مسألة ملازمة تحثه على دفع الحيرة بالسؤال وطلب المعرفة لإرواء ظمأه وإسكان اضطرابه الذي يهدف الفحص و وبلوغ عتبة اليقين. غير أن سعادة الإنسان ما تلبث أن تهدأ من دهشتها و شكها في هذا العالم المريب الذي قدمت له بعض الأجوبة، حتى تنتقل النفس إلى درجات متعالية من الفكر تصل فيها للتأمل و مساءلة الذات.
ويشترك كل من أفلاطون وأرسطو بالقول أن الدافع للتفلسف هو الدهشة، فإذا كان حظ الإنسان التفكير والتمتع بالتأمل في مظاهر هذا الكون ، فإنه لا محالة يندهش من العوالم التي تفوقه دون تسيطر عليه،  إن الدافع للفلسفة لا يتوخى معرفة لإسكات حاجة ضرورية بقدر ما يهدف للإجابة عن الأسئلة الكبرى التي تؤرق فكر الإنسان؛ ومنها فكرة الموت.
لكن ما يلبث الإنسان أن يستقر على جواب و يستكين إليه حتى يدفعه الشك و الفحص لممارسة النقد لكل المعارف السابقة من اجل تقليبها وتمييزها حتى تكون أكثر دقة وأقرب إلى الحقيقة ما لم تكن حقه. لهذا كان الشك المنهجي الإيجابي أصلا للفلسفة.
وإذا ما استقرت النفس وسكنت إلى ما حصلت من أجوبة بعد الدهشة و الشك، تحس بالسعادة الغامرة تصاحبها درجة عالية من الوعي التأملي للنفس و العالم، حيث تكتشف أن الإنسان مغمور بجملة من الضرورات التي لا مناص له منها، تحكم وجوده وكيانه؛ هذا الكشف هو ما ينبئ الإنسان أنه بلغ من التفلسف أعمق مراحل من الدهشة إلى الشك نحو التأمل المصاحب بمساءلة الذات.
مفاهيمه
الأصل: المبدأ الأول الذي يرجع إليه الفكر؛ مسألة أصل الأفكار أو أصل معارفنا. يمكن إن يقصد به إما الفرد أو البشرية جمعاء؛ وإما النظام النفسي أو الإبستيمولوجي أو العرفاني.
التساؤل: طلب السؤال بحدة
الدهشة: الاستغراب
الشك: الريبة اضطراب عقلي متميز بصعوبة، أو حتى باستحالة التوصل إلى إقرارات أو إلى قرارات جازمة في الأحوال التي تتم فيها الوظائف عادة ، وظائف الحكم و الإرادة بلا معاندة.
فحص: إمعان النظر في الأمور؛ نقد :في الأصل حكم ؛ قسم المنطق الذي يتناول الحكم. ولم تعد الكلمة تستعمل بهذا المعنى إذ أخذت دلالة أخرى: فحص مبدأ أو ظاهرة للحكم عليهأو عليها حكما تقويميا؛ ثمة نقد فني جمالي و نقد الحقيقة منطقي كان كانط قد حدده بهذا المعنى الواسع " فحص حر وعلني".
وضعيات نهائية: مجموع الإكراهات و الحتميات
حجاجه
التأكيد المصاحب بأداة التوكيد " إن"
التقسيم لأجل بيان مراحل النص
قيمته
فلسفية معاصرة تبرز طبيعة التفكير الفلسفي من خلال بيان أدواته
حدوده
الأطروحة تقتصر على بيان ثلاث عناصر كأصل للتفكير الفلسفي دون الحديث عن انواع أخرى منها مثلا الحدس الفلسفي كما بين نيتشه.

[1]  أنظر الإضاءة واحد
[2]  أنظر الإضاءة اثنان
[3]  أي اثبات الوجود الذاتي من خلال عملية التفكير
[4]  الوضعيات: هي مجموع إكراهات و حتميات تتحكم في الوجود الإنساني و تطرح كعوامل لا دخل للإرادة البشرية فيها.
[5]  ك. ياسبرز ، مدخل إلى الفلسفة، ترجمة محمد الشنيطي(مع بعض التعديلات) دار القاهرة 1967الصفحات 55ـ 59

هناك 19 تعليقًا:

  1. 'ان اندهاش الفكر يعبر عن نفسه بالسؤال ' ماذا تعني العبارة . وشكرا.

    ردحذف
  2. 'ان اندهاش الفكر يعبر عن نفسه بالسؤال ' ماذا تعني العبارة . وشكرا.

    ردحذف
    الردود
    1. حسب ما اظن فان الفكر يقصد به الدهن اي انه عندما يرى او يلاحظ امرا خارقا للعادة يستلزم ذلك التساؤل

      حذف
    2. شكرا على شرحكم لي لقد انتهيت من شرح الاستاذ المعقد شكرااان

      حذف
  3. هل الدهشة هي مفاجأة من شيء

    ردحذف
  4. من افضل المواقع الفلسفية التي زرتها

    ردحذف
  5. أسس الفلسفة و ثوابتها ؟

    ردحذف
  6. من فضلك ماذا تعني هته العبارة:‘واذا امارس الشك يكون بمقدوري اما ان انساق وراء شهوة الانكار او ابحث عن يقين يفلت بي من قبضة الشك‘

    ردحذف
  7. اشكرك على مساعدتك استاذي
    💖
    ي

    ردحذف
  8. Khoya wahd soall chni maw9ii3 nadkhol lihh

    ردحذف
  9. ماذا تعني هده الجملة:إن التفلسف معناه التيقظ الافلات من روابط الضرورة الحيوية.
    أريد شرحها

    ردحذف