إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 24 أكتوبر 2015

فعل التفلسف


بداية فعل التفلسف

 

    يبدو أن الفلسفة اليونانية تبدأ بفكرة غريبة، وهي أن الماء أصل كل الأشياء.[1] هل من الضروري حقا أن نتوقف عند هذه الفكرة، وأن نأخذها على محمل الجد؟ نعم. وذلك لثلاثة أسباب:

   أولا، لأن هذه المسلمة[2] تتناول بطريقة ما أصل كل الأشياء، والسبب الثاني، لأنها تتناول بدون صور وبمعزل عن السرد الخيالي، وأخيرا، السبب الثالث، لأن هذه العبارة تتضمن ولو بشكل أولي ، فكرة أن الكل واحد. حسب السبب الأول مازال طاليس[3] ينتمي إلى طائفة المفكرين الدينيين والخرافيين، ولكنه يخرج عن هذه الطائفة للسبب الثاني، ويظهر لنا كواحد من علماء الطبيعة. أما السبب الثالث فيجعل منه أول فيلسوف يوناني.

   لو قال إن : " الماء يتحول إلى تراب" لكان لدينا مجرد فرضية علمية خاطئة، على الرغم من صعوبة تفنيدها، لكنه يتخطى الإطار العلمي المحض. لا يمكننا القول أن طاليس ، من خلال عرضه لفرضية وحدة الكون القائمة على حضور الماء ، تجاوز المستوى الأدنى للنظريات الفيزيائية في عصره، ولكنه خطا خطوة واحدة . إن الملاحظات المبتذلة ، وغير المتماسكة و الاختبارية ، التي كونها طاليس حول حضور عنصر الماء وتحولاته الفيزيائية، وبالتحديد الرطوبة، هذه الملاحظات لم تكن لتسمح، أو حتى لتوحي بهذا التعميم الواسع. إن ما دفعه إلى ذلك، مسلمة فلسفية[4] صادرة عن حدس فلسفي، والذي نصادفه في جميع الفلسفات ، التي حاولت مع مجهودات متجددة باستمرار، التعبير عن هذه المسلمة ، بشكل أفضل، إنه مبدأ[5]: الكل واحد.[6]

 



[1] أنظر الإضاءة 1
[2]  المسلمة: قضية يضعها العالم ويسلم بها للوصول إلى نتيجة يبني على أسسها نظريته
[3]  طاليس : فيلسوف يوناني عاش في القرن السادس قبل الميلاد من الحكماء السبعة و يعتبر من فلاسفة الطبيعة الأوائل بمنطقة أيونيا .
[4]  حدس فلسفي : نمط من المعرفة المباشرة و إدراك فوري للموضوع من طرف الفكر.
[5]  أنظر الإضاءة 2
[6] ف نيتشه، نشأة الفلسفة في فترة المأساة الإغريقية، دار النشر غاليمار 1977 صفحات 34و35




 

j      الإضاءة 1

إن أهمية طاليس الفلسفية تقوم على قضيته الفلسفية المشهورة ، وهي العالم صادر عن الماء وراجع غلى الماء. وبتعبير أقرب إلى كلامه : إن العالم يخرج من المحيط ويرجع إلى المحيط...

أراد طاليس بكلماته التعبير عن نظرة كلية متكاملة عن حدس للعالم ... لم يكن الماء رمزا فقط ، بل يدل كذلك على الوجود ...، ويكون طاليس أول من وصل إلى نظرة متكاملة إلى الوجود . لقد اتخذ هذا الماء اسما يدل على الوجود أو على الكل أو على الطبيعة.

نجيب بلدي ، دروس في تاريخ الفلسفة، اعدها للنشر الطاهر وعزيز وكمال عبد اللطيف. دار توبقال ، الطبعة الاولى، صفحات 14 و 16

j      الإضاءة 2

تدل كلمة الأرخي في اللغة اليونانية على السلطة و السيادة في آن واحد، لكنها تدل أيضا على المبدأ والأساس. وانطلاقا من ذلك راح الإغريق يبحثون عن المبدأ . وهذا يعني أننا عندما نشرح ما هو خلف الظواهر، نكف عن البحث عن " ملك إله" أتى ليجعلها تستقر ويثبتها؛ إن ما نبحث عنه هو المبدأ المؤسس لها. سيأخذ الارخي صورة النوموس أو القانون .

جون بيير فرنان، بين الأسطورة و السياسة، مرجع سابق، صفحات 73و 74.


تحليل نص : بداية فعل التفلسف
الفهم
صاحب النص
نص للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه ( 1844ـ تم تعيينه أستاذا للفيلولوجيا سنة 1867  في مدينة بال. وفي عام 1870 كرس أوقات فراغه في دراسة المأساة اليونانية وفي عام 1871  نشر نتيجة أبحاثه تحت عنوان : ميلاد المأساة أو الحضارة الهلينية والتشاؤم. غير أن النقد الكلاسيكي الذي تعرض له لم يلق بظلال النجاح على نؤلفه حيث لم يكن يعترف إلا بمظهر واحد من الفن اليوناني، هو ذاك الذي يرمز إليه أبولون أي فن قوامه القسط والاعتدال وموضوع لتأمل هادئ يتسامى فوق عالم مقضي عليه بالألم. وقد عارضه نيتشه بما يرمز إليه بمظهر أخر هو ديونيسيوس: النشوة التي يغرق فيها رائي إرادة الحياة الكلية ، تلك النشوة التي تجعل من الانسان قادرا على الانفلات من الالم بنفي علته التي هي إرادة الحياة . ونشر تاملات غير راهنة حين افصل عن فلسفة شوبنهاور التشاؤمية و فاغنر الجمالية ؛ وقد طور فلسفته في كتابه" إنساني، إنساني أكثر مما ينبغي1878 ، وكتابه المسافر وظله 1880, وقد أصيب بمرض منعه من مزاولة مهنة التدريس استعاض عنها بالسفر و التأليف لزمرة من المؤلفات من أهمها  " هكذا تكلم زرادشت" و " العلم المرح" .إلى أن وافته المنية  1900).
قضية النص
بيان أول فكرة فلسفية صدرت من أول فيلسوف
الإشكال المركزي
ما طبيعة التفكير الفلسفي في نشأته؟
التساؤلات
ما هي الفكرة الفلسفة الأولى؟ و من صاحبها؟ و ما هي الشروط التي جعلت منها فكرة فلسفية زمن صاحبها فيلسوفا ؟ 
التحليل
أفكار النص
يفصح نيتشه أن الفلسفة اليونانية بدأت بفكرة المبدأ " الأرخي"، مصرحا أنها في الوهلة الأولى تبدو كفكرة غريبة؛ لكن ما إن نتحقق من شروطها أو بالأصح قيمتها البرهانية، حتى يتبين أن لصاحبها الفيلسوف طاليس مكانة تتجاور في درجة التفكير مع علماء الطبيعة وتنأى بالمقابل مع التفكير الديني أو الخرافي، ليستحق بذلك لقب الفيلسوف الأول.
ويعرج نيتشه في قوله أن هذه الفكرة ما كانت لأن تصبح فكرة فلسفية لو انحصرت في القول بأن"" الماء يتحول إلى تراب"و لكان لدينا مجرد فرضية علمية خاطئة" ولكن حجج طاليس المبنية على ارجاء الكل إلى مادة واحة هي مصدر الكون، كان بمثابة السبق في إتباع المنهج التجريبي، و كذلك، وبالأخص أن لهذه الفكرة كما ينوه نيتشه خاصية التفكير الفلسفي المميز عن كل غيره من أنواع التفكير، والمتمثل في الحدس الفلسفي، هذا الذي ما كانت من فلسفة إلا وقامت عليه.  
مفاهيمه
الفلسفة اليونانية: هي الفلسفة الماقبل و المابعد سقراطية و الممتدة زمنيا من القرن السادس قيل الميلاد إلى القرن السادس ميلادي.
المسلمة: قضية يضعها العالم و يسلم بها للوصول إلى نتيجة يبني عليها نظريته.
طاليس: أول فيلسوف من منطقة أيونيا في القرن السادس قبل الميلاد
طائفة: مجموعة
علماء الطبيعة: علماء أيونيا وفلاسفتها أيضا الذين اهتمو بدراسة الوجود من حيث هو طبيعة  ظاهرة
فرضية: فكرة يتخذها العالم منطلق ومبدأ أبحاثه يسعى للتأكد منه صحتها أو خطئها عبر التجربة و الاستدلال
الملاحظات المبتذلة: الملاحظات التي لا تحمل أية قيمة علمية و ذات مردودية سطحية
الاختبارية: التجريبية
حدس فلسفي: تختلف عبارة الحدس من فيلسوف لآخر فهي  التأمل الفلسفي أو معرفة مباشرة أو معرفة حسية... حدس Intuition : هو إدراك لموضوع ما دونما وسائط . و هو ذو  أثر في العمليات الذهنية المختلفة : إذ يلاحظ في الإدراك الحسي و يسمى حينها حدسا حسيا Intuition sensible . كما يشكل أساسا للبرهنة و الاستدلال و يسمى حينها حدسا عقليا Intuition rationnelle . و كذا به نستشعر أمورا عاطفية بعيدة المنال و يسمى حينها حدسا وجدانيا . فبالحدس ندرك حقائق التجربة مثلما ندرك الحقائق العقلية و كذا به نكشف عن أمور لا سبيل إلى الكشف عنها بطريق سواه و هو بهذا أشبه بالرؤية المباشرة أو الإلهام أو الحاسة السادسة حتى .و قد اعتبره ديكارت سبيل بلوغ الحقائق البديهية و ارتأى برغسون أنه المسلك الوحيد لمعرفة المطلق , أما المتصوفة فجعلوا منه نهجهم في الكشف عن الحق / الله . و هنري بوانكاري يرى بأن المرء « يبرهن بالمنطق و يخترع بالحدس » .
مبدأ: الأرخي القانون أو السيادة و يدل أيضا على الأصل كفكرة فلسفية
فعل الفلسفة: التفلسف فلسفة Philosophie  : على المستوى الاشتقاقي تتركب كلمة فلسفة من كلمتين يونانيتين و هما : فيلوس Philos   و معناها حب أو محبة ثم صوفيا Sophia   و معناها الحكمة , و لذا اعتبرت الفلسفة محبة أو حب الحكمة . أما على المستوى الاصطلاحي فقد عرفت الفلسفة عدة تعريفات تعددت و تباينت بتعدد و تباين الفلاسفة أنفسهم و أنسقتهم الفلسفية و عصورهم و مجتمعاتهم و انتماءاتهم الاجتماعية و الفكرية ( الدينية و السياسية ... ) و كذا طموحاتهم و أهدافهم المستقبلية . ففي اليونان مثلا عرفها أفلاطون بأنها « علم الحقائق المطلقة الكامنة وراء ظواهر الأشياء » , بينما عرفها تلميذه أرسطو باعتبارها « علم الوجود بما هو موجود » أي من حيث هو موجود , أو باعتبارها « علم المبادئ و العلل الأولى للوجود » أي من خلال معرفتنا بعلل و أسباب الوجود . أما الرواقيون فاقتصروا فيها على المنطق و الأخلاق و الطبيعة . و إذا انتقلنا إلى العرب في العصر الوسيط فنجد الغرض من الفلسفة عند ابن سينا هو الوقوف على حقائق الأشياء كلها سواء أكان وجودها باختيارنا أم خارج عن إرادتنا , و هي عنده : نظرية و عملية ، و تحت النظرية يضع الطبيعيات و الرياضيات و الإلهيات ، أما تحت العملية فيضع تدبير المدينة و تدبير المنزل و الأخلاق . و أما ابن رشد فيرى بأن : « فعل الفلسفة ليس شيئا أكثر من النظر في الموجودات ، و اعتبارها من جهة دلالتها على الصانع ، ( ... ) ، فإن الموجودات إنما تدل على الصانع بمعرفة صنعتها ، و أنه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة بالصانع أتم » و من هنا كانت غاية الفلسفة هي معرفة الحق / الله من وراء تأمل الخلق / الكون . و إذا انتقلنا إلى العصر الحديث نجد ديكارت يقول : « الفلسفة بأسرها أشبه بشجرة جذورها الميتافيزيقا ، و جذعها الفيزيقا ، و الفروع التي تخرج من هذا الجذع هي كل العلوم الأخرى التي تنتهي إلى ثلاثة علوم رئيسية هي الطب و الميكانيكا و الأخلاق ». و أما من حيث الموضوع فالفلسفة _ تجاوزا _ تعالج ثلاثة محاور / موضوعات رئيسية و هي : مبحث الوجود أو الانطولوجيا ، ثم مبحث المعرفة أو الإبستيمولوجيا ، و أخيرا مبحث القيم أو الأكسبولوجيا. و لقد كانت الفلسفة منذ نشأتها تعرف بأنها « أم العلوم » على اعتبار أنها كانت تستدمج داخلها علوم عصرها بل و كان الفيلسوف مفكرا موسوعيا يجوب كل أقطار الفكر بروح نقدية ... إلا أن مختلف العلوم التي كانت تستدمجها و تتمثلها الفلسفة سرعان ما أخذت في الاستقلال، إذ كلما اكتمل ضبط موضوع علم ما و تحديد مفاهيمه و بناء منهاجه أو مناهجه و حصر نتائجه إلا و تحلق حوله جملة من العلماء لينفصلوا به عن الفلسفة الأم. و هكذا انفصلت الرياضيات ( بشقيها : الجبر و الهندسة ) ثم فيما بعد الفيزياء و الكيمياء و علم الاجتماع و علم النفس و علم اللغة و علم التاريخ ...فأصبحت الفلسفة تقتصر على المنطق و الأخلاق و علم الجمال ( مبحث القيم / الأكسيولوجيا ) و ما وراء الطبيعة ( الميتافيزيقا ) و تاريخ الفلسفة . (انظر : فيلسوف / حكمة / حكيم / انطولوجيا / ابستيمولوجيا / أكسيولوجيا / ميتافيزيقا / نظرية المعرفة ).
 فيلسوف  Philosophe : يدل اللفظ  في الأصل اليوناني على "محب الحكمة" ، و كان فيتاغوراس _ أو سقراط حسب آخرين _ أول من استعمل هذه الكلمة ، إذ آثر أن يكون محبا للحكمة بدلا من أن يسمى حكيما ( صوفوس Sophos) " لأن الحكمة لا تضاف لغير الآلهة ". و الفيلسوف بوجه عام هو المشتغل بالفلسفة و بوجه خاص هو من يعنى بالبحث عن علل الوجود و مبادئه أو أسبابه الأولى . ( انظر : فلسفة / حكمة / حكيم )
السفسطائيّة: اصطلاحاً تطلق على معنيين: الأوّل: تلك الحركة الفكريّة التي ازدهرت في بلاد اليونان عامة وفي أثينا خاصة إبان الخمسين سنة الأخيرة من القرن الخامس قبل الميلاد والتي كان من زعمائها المبرزين: بروتاجوارس وجور جياس وبروديكوس. الثاني: ذلك النوع من الفلسفة القائمة على أقاويل لفظيّة خالية من الجد والرصانة.
السَفسَطة:في المنطق هو قياس مركب من الوهميات الغرض منه إفحام الخصم وإلزامه الحجة جمعها سفسطات يقال هذا قياس سَفْسَطِيّ أي مرتكن فيه على السفسطة.قياس مركب من الوهميات والغرض منه تغليط الخصم وإسكاته.مأخوذة من اللفظ اليوناني سفزما ومعناه الأصلي التميز بالمهارة والحذق ثم أخذ بعد ذلك يدل على القول المُمَوِّه أو القياس الخداع الذي يلتبس منه التلبيس على الناس والتغرير بهم.
حجاجه
بنية حجاجية أساسها القسيم من أجل التفسير
قيمته
فلسفية تبين نمط التفكير الفلسفي في بعده الداخلي
حدوده
الاقتصار على الجوانب الداخلية التي تتصل بطبيعة التفكير الفلسفي عند أول فيلسوف،  دون الاكتراث إلى العوامل المحفزة و المتمثلة فيما ما هو سياسي أو ثقافي أو اقتصادي.

 

j      الفهم (الصفحة 16)

لماذا اعتبر صاحب النص طاليس أول فيلسوف؟

o    طاليس أول فيلسوف لأنه جاء بمسلمة ترتبط بالكشف عن أصل الأشياء، وأيضا أنه جاء بتفسير يتنافى و التفسير الخيالي الأسطوري والمبني على ملاحظات علمية، ليكون في الأخير أول فيلسوف ذاك أنه بلغ فكرة أن " الكل واحد".

j      التحليل (19)

ما العلاقة بين الماء كعنصر طبيعي و الماء كمبدأ؟

o   هي علاقة انتقال من الحسي إلى المجرد.

هناك 13 تعليقًا:

  1. بين انطلاق من النص التأويل الذي يؤديه صاحب النص من خلال قولة طاليس العالم يخرج من المحيط ويدخل الى المحيط

    ردحذف
  2. تحدث عن الخصائص المميزة للفلسفة كنمط جديد من التفكير عن الأسطورة كنمط تقليدي من التفكير بالنسبة للمجتمع اليوناني
    ممكن الإجابة على هذا السؤال🤔🤔

    ردحذف
  3. اريد مضامين الاضائتين1 و2

    ردحذف
  4. Je l'ai bien aimé

    ردحذف