إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 26 أكتوبر 2015

الفلسفة المعاصرة


الفلسفة المعاصرة
مقدمة
ضمت الفلسفة شمائل تاريخ الفكر الإنساني، وسعت في تعددها لبيان أن العقل الفلسفي المعاصر قد تحرر من عقدة القطبية المادية أو المثالية، ليرسم نماذج عدة لتيارات الفكر المدرسي الذي أرسى دعائم منهجية مختلفة؛ غير أن الاختلاف لا يعدو أن يكون ثمرة جهد للتجديد و نبذ التقليد أو الوقوف عند حد العبارة أن السلف لم يترك للخلف شيئا.
يمكن أن نضم في كنف هذه الفلسفة قرنين من الزمن وهما القرن التاسع عشر و القرن العشرين؛ ولذلك فإن الناظر إلى هذه الفترة يطرح عدة أسئلة من بينها : ما خاصية التفكير الفلسفي في هذين القرنين؟ و ما هي أبرز معالم الفكر التي اتسمت بها حركة الفلسفة المعاصرة؟
1.              الفلسفة المعاصرة
نشأت العلوم الانسانية خلال القرن التاسع عشر وحاولت تأسيس معرفة موضوعية بالظاهرة الانسانية التي يتداخل فيها عنصري الذات والموضوع في الآن نفسه، والتي تحاول فهم و تفسير ليس السلوك الإنساني الظاهر فقط بل أيضا النفسي منه. ولقد انبرى لهذه المعضلة اتجاهين أو موقفين متمايزين، الأول منهما يسمى بالاتجاه الوضعي أو الطبيعي الذي  يستمد جذوره من الموقف الديكارتي الذي يطرح إمكانية دراسة الظاهرة الانسانية دراسة موضوعية وفي مقابل هذا الاتجاه نجد موقف الفهم الذاتي التأويلي الذي يقر به ماكس فيبر، والذي يعتبر أن الظاهرة الانسانية هي ظاهرة جد معقدة وبالتالي فتطبيق المنهج التجريبي إزاء هذه الظاهرة صعب المنال.
أما السوسيولوجيا كعلم يختص بدراسة الإنسان ككائن اجتماعي باعتباره عضوا في مؤسسة اجتماعية فقد اصطدمت بجملة من الصعوبات وعرفت مجموعة من الإشكاليات سواء على مستوى الموضوع أو المنهج أو النظرية ويرجع ذلك إلى طبيعة الظاهرة الاجتماعية باعتبارها ظاهرة واعية يتداخل فيها عنصر الوعي والإرادة والقصد وهنا يطرح التساؤل عن طبيعة المنهج والنظرية المتبعة في دراسة الظاهرة الاجتماعية، وأمام ذلك تجد السوسيولوجيا نفسها حرجا في الحسم بين خيارين متباينين: الأول هو التماهي التام مع العلوم التجريبية ونقصد هنا اقتباس النموذج العلمي المتبع في العلوم الطبيعية وتطبيقية على الظواهر الاجتماعيةأما الخيار الثاني وهو  القطيعة التامة مع العلوم التجريبية واعتماد نموذج ملائم لطبيعة الظاهرة الاجتماعية بالشكل الذي يحقق الموضوعية ولا يلغي فاعلية الذات.  
ولأن الفلسفة المعاصرة ضمت قرنين نشطين، فإنه من الصعب بمكانة أن نحيط بجل أعلامها، لنركز على أبعاد مدارسها و إشكالاتها؛ فكان أن أصبحت في القرن العشرين خاصة فلسفة عالمية، تكاد لا تجد منطقة إلا وحلت بها مدرسة فلسفية تنابز أختها لإثبات صلاحية منهجها في البحث و المعرفة. فكان من بين أهم المدارس خمس حركات رئيسية: اثنان منها: الوجودية والظاهراتية اللتان كان لهما تأثير كبير في بلدان أوربا الغربية. أما الحركات الثلاث الأخرى: الذرائعية (البرجماتية (المنفعية) والوضعية المنطقية، والبنيوية التفكيكية فقد مارست تأثيرها خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
في منتصف القرن العشرين أصبح تأثير الوجودية ملحوظا، وذلك أن الحرب العالمية الثانية(1939-1945) ولدت شعورا عاما باليأس والقطيعة من الوضع القائم، هذا الشعور قد أفضى إلى الإعتقاد بأن الناس عليهم أن ينشئوا القيم التي تليق بهم في عالم أصبحت القيم القديمة فيه عديمة الجدوى، كما أن الوجودية تلح على القول : إن الأفراد يجب عليهم أن يحددوا اختياراتهم وبذلك يعبرون عن شخصيتهم المتميزة، لأنه لا توجد أنماط موضوعية تفرض على الفرد فرضا، ويعتبر الكاتب الفرنسي جان بول سارتر أشهر الفلاسفة الوجوديين.
أما الفلسفة الظاهراتية فقد أنشأها الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل، الذي تصور أن مهمة الظاهراتية وبالتالي مهمة الفلسفة تتمثل في وصف الظاهرة، أي موضوعات التجربة الشعورية، بصفة دقيقة وبكيفية مستقلة عن كل الافتراضات المشتقة من العلم. ويعتقد هوسرل أن هذا العمل من شأنه أن يؤدي إلى إدراك الواقع إدراكا فلسفيا.
في حين الفلسفة النفعية البرجماتية والتي يمثلها الأمريكيان وليم جيمس وجون ديوي، فتؤكد أن المعرفة خاضعة للعمل، وذلك أن اشتمال الأفكار على المعاني والحقائق متعلق بمدى ارتباطها بالتطبيق. كذلك الفلسفة الوضعية المنطقية نشأت في ﭬيينا بالنمسا في العشرينات من القرن العشرين فتقول: إن الفلسفة ينبغي أن تحلل منطق لغة العلم، وهي تعتبر العلم المصدر الوحيد للمعرفة وتدعي بأن ما وراء الطبيعة لا فائدة منه، اعتمادا على مبدأ إمكانية التحقق، أي أن القول لا يكون له معنى إلا إذا ثبت بالتجربة الحسية أنه مطابق للحقيقة، ويعد البريطاني ألفرد جون أير من أكبر فلاسفة المذهب الوضعي المنطقي معبرا عن أن المشكلات الفلسفية التقليدية تنحل تلقائيا أي أنها تزول بمجرد تحليل للعبارات التي صيغت. وهو نفس الشأن الذي قاد  الفلسفة البنيوية التفكيكية فقد التي حاولت بدورها تحليل مفردات اللغة ومفاهيمها كما. ومن أشهر الفلاسفة الذين مارسوا التفكيك والتحليل الفلسفي هناك برتراند راسل، ولود فيتجنشتاين.
1.              علاقة الفلسفة بالعلم
إذا كانت العلاقة بين الفلسفة و العلم تكاد تكون غير منفصلة في تماه تام باعتبارهما بدءا كاستطلاع واستكشاف، فإن تقدمهما أعلن عن تباينهما مع الزمن، فأصبح لك منهما متميز عن الآخر، لا من حيث الموضوع أو المنهج. ويؤكد راسل أن العلم قد استقل حين أسس منهجه الخاص وأرسى دعائمه في منأى عن الفلسفة، غير أن حدوده تكاد تكون معلومة إن تم تجاوزها سيدخل العالم إلى منطقة تهم الفلسفة، تلك هي منطقة المساءلة المنهجية النقدي التي تبدأ من خلال مبحث الإبستيمولوجيا.
الابيستيمولوجيا Epistémologie : دراسة نقدية لمبادئ العلوم المختلفة و فرضياتها و مناهجها و نتائجها, وهي تهدف إلى تحديد أصلها المنطقي و قيمتها الموضوعية (حسب لالاند). و في اللغة الإنجليزية تطلق على نظرية المعرفة بوجه عام، و في هذا يقول رونز : «الإبيستيمولوجيا أحد فروع الفلسفة الذي يبحث في أصل المعرفة ، و تكوينها ومناهجها و صحتها ».
ولقد اتسمت الفلسفة المعاصرة بالخوض في الدراسات النقدية للمعرفة العلمية العقلانية أو التجريبية عل حد سواء؛ كما كان الشأن في الفلسفة الحديثة. ومن أهم علماء وإبستيمولوجيي العصر صاحب النظرية النسبية أ.إينشتين الذي يؤكد على أهمية البناء الرياضي الخالص في إكتشاف القوانين التي تسمح بفهم الظواهر الطبيعية، فالمبدأ الخلاق حسب تعبيره يوجد في العقل الرياضي؛ لأن البناء الرياضي الخالص هو الذي يمكننا من إكتشاف المفاهيم والقوانين، فالمبدأ الخلاق حسب هذا العالم، يوجد في الرياضيات لا غير، لتبقي التجربة في نظره ليست سوى أداة ثانوية يستعين بها العالم لاختيار الآليات العلمية التي سيستعين بها لإثبات أطروحته.
خاتمة
ليست الفلسفة المعاصرة محض تكرار للفلسفة الحديثة، بل هي نبع من التفكير الفلسفي المتجدد كل حين؛ فهي التي أرست دعائم الاقتصاد و السياسة في أكبر مبدأين الاشتراكية و الرأسمالية، و هي التي أسست لعلمين فتحا الباب للعلوم الإنسانية من بابي علم النفس وعلم الإجتماع، كما أنها حالت بين العلم وغاياته لتفرض عليه و على الإنسانية الوقوف عند عتبة مسائلة القيم.
 

هناك 7 تعليقات: