إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 5 فبراير 2016

الفلسفة و القيم


 

الفلسفة و القيم

 

§       مقدمة

يمكن رصد التفكير الأخلاقي منذ البديات الأولى للفلسفة، حيث يتبن أن الفلاسفة سعوا إلى تقويم السلوك الإنساني الفردي و الجماعي، فقول سقراط :" اعرف نفسك بنفسك" دليل على أن المرء لحري به أن ينظر إلى نفسه تمام النظر لمعرفتها عن حق؛ فقد كان منهجه ينحصر في دائرة الأخلاق باعتبارها أهم ما يهم الإنسان، وهذا معنى قول شيشرون: "إن سقراط أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض"؛ أي أنه حول النظر من الفلك والعناصر إلى النفس. كما نجد  في " الأخلاق النيقوماخية" لأرسطو أن علم الأخلاق هو : النظر في أفعال الإنسان بما هو إنسان ويدبرها على هذا الاعتبار، فهو علم عملي. فكيف تبلورت معالم التفكير الأخلاقي في الفلسفة.

1.      القيم الفلسفية

من أعلى القيم التي تدعو لها الفلسفة الحديثة والمعاصرة هي نبذ العنف وتحقيق السلام؛ وقد عمد الفيلسوف إمانويل كانط إلى بيان الوسائل الداعية لتحقيق السلم وإن حلكة الأيام بظلم أهلها المتصارعين، لذلك يضع  أساس السلام بين الدول  و الأسباب التي تحول بين تحقيقه، من خلال رصد ما يمكن أن يحول دون تبادل الثقة بين المتصارعين والمتحاربين؛ وينوه كانط أنه لابد و إن اشتدت الصراعات أن يبقى حيز من ثقة لتحقيق السلام، وإلا ما كان السلام ممكنا وتحولت الصراعات إلى حرب إبادة الغاية منها فقط القضاء على الآخر وتصفيته؛ ويؤكد فيلسوف السلام أن هذا النوع من الحرب أو القتل لشبيه بحالة الطبيعة التي لا يسود فيها قانون العقل كما لا يحكمها حكم القضاء والحق.

ويستبعد كانط أن تكون للحرب صفة من صفات المسؤولية التي تستدعي أن تتكون فيها العلاقات بين الدول كالعلاقة بين الرئيس و المرؤوسين في العمل، لذلك فهو لا يبرر فعل الحرب التأديبية. إن كلا الحربين في نظره تضيع الحقوق في مهب الريح والسلام في خبر كان. ولهذا في اعتقاده وجب الحيلولة من كل الأسباب الداعية إلى الحرب و منعها بقوى القانون بهدف ضمان سلام دائم.

ومن ثمة نجد الفيلسوف المعاصر إريك فايل يبث في دعوى قيمة الفلسفة بالقول أنها تتنافى و العنف، بل هي إن كانت تسعى في منتهاها إلى بيان الحقيقة فإنها بالموازاة تقف في منأى عن العنف؛ لذلك كانت من أضداد الحقيقة العنف وليس فقط الخطأ أو قول الزور، كما أن من تعاريفها ليس مطابقة الفكر للواقع ؛ بل الحق هو أن يطابق القول الإنساني؛ لأنه لا يمكن الفصل بين الخطاب ومنتجه.

2.      الواجب الأخلاقي

عالج كانط مسألة الواجب بشكل عام في كتبه ومقالاته الأخلاقية[1] معالجة دقيقة كان الهدف منها التأسيس الفعلي والكوني لمفهوم الفعل الأخلاقي من حيث هو ضرورة عقلية نابعة من ذات إنسانية تتمتع بنوع من الحرية والاستقلال الذاتي [2]autonomie. معنى ذلك أن كل عاقل لا بد أن يقتنع ويقبل بالفعل الأخلاقي على شكل واجب ـ حتى وإن تعارض مع ميولاته الذاتية ـ مادامت الغاية هي  تحقيق أكبر حرية إنسانية طبقا للقوانين ،بحيث يمكن لحرية كل واحد أن تتعايش مع حرية الآخرين. هذه المقولة تستمد قوتها من كون احترام القانون الأخلاقي الذي يحكم الجميع ضرورة لا محيد عنها حتى يتمكن الشخص من التعايش مع الجميع تحت مظلة المساواة أمام القانون. والمرجع الأساس الذي يجب أن ينطلق منه الجميع ـ حسب كانط ـ  هو العقل لأنه كوني بالنسبة للجميع. والحكم الأخلاقي إذ يصدر عن الإرادة الخيرة الحرة ـ التي مصدرها العقل هي الأخرى ـ فهو أيضا يمكن توصيفه بالكوني. الإرادة تلك يجب أن تكون غاية في ذاتها تفترض أن يكون  الواجب الأخلاقي هو الآخر خال من كل غاية منفعية وبالتالي غاية في ذاته. بهذه الوصفة يمكن أن يكون الإكراه الذي يفرضه العقل على الشخص نابعا من حرية ذاتية مبنية على الاقتناع، بحيث يكون الإلزام داخليا وذاتيا قائم النية الحسنة والخالصة.

الإكراه بهذا المعنى يصبح فعلا من أفعل الإرادة. إنه إكراه حر[3]  يتخذ صفة الآمر القطعي المطلق والخال من الغائية. بمعنى انه  يتميز عن الأمر الأخلاقي الشرطي الذي تعبر عنه عبارة "افعل كذا لتنال كذا"(مثل : لا تسرق  كي لا تدخل السجن) الذي لا يصنفه كانط في خانة الأفعال الأخلاقية لما فيه من مساومة وابتذال يسلبان الفعل الأخلاقي غايته النبيلة. كما أن الأوامر الأخلاقية غير مشروطة  بأية نتائج أو ميول، بل لها بداهة مباشرة، لدرجة أن الإرادة تعرف أن عليها أن تخضع لهذه الأوامر[4]، وهذه الأوامر ذات صبغة كونية شمولية هي التي تؤسس لمعنى الواجب عند كانط وفق القواعد التالية:

1.                 تصرف بحيث تجعل من قاعدة فعلك قانونا لنفسك ولسائر الناس.

2.                 تصرف دائما وفق الطريقة التي تجعلك تعتبر الإنسانية، في شخصك وفي غيرك، غاية مطلقة لا وسيلة بأي حال من الأحوال.

3.                 تصرف معتبرا إرادتك مشرعا لتشريع كوني.       

اهتجس كانط بهاجس الكونية وهو يبني فلسفته النقدية بشكل عام. لذلك وضع قوانينا تتسع رقعتها لتشمل الإنسان كمفهوم، أي الإنسان في صيغته المطلقة، مركزا على العقل والإرادة  لطابعهما الكوني والمشترك.  فالعقل العملي إلى جانب الإرادة هما المشرعين لمفهوم الواجب، الذي هو إكراه، من حيث هو فعل خاضع للعقل،  وللحرية، لأن مصدره الإرادة فهل يمكن تصور إرادة بدون حرية؟  أليس في هذه الحرية ما يجعل إتيان الفعل الأخلاق  نابع من رغبة الإنسان في أن ينال استحسان الآخرين (المجتمع)؟

§       خاتمة

ثمة زعم أن الفلسفة في منأى عن الواقع وأنها فكر متعال؛ والحق أنها كذلك. فالواقع الذي تنأى عنه هو واقع يركن للسطحية و السذاجة، و الفكر الذي تتحلاه هو وسيلة تخول المفكر أن ينظر بعين الممحص لا بعين المنغمس في متاهات الحياة اليومية؛ ومن فصاحة التفكير أن تكون الفلسفة ناقدة للسلوك و القيم التي تم نحتها عبر الزمن؛ لتبين مسار الإنسانية في ما مدى قابليتها للخلق المبني على العادة و التقاليد ومدى تمسكها بالعقل كوسيلة من وسائل الحسم و الفصل في معرفة الذات و المجتمع.

 

 

 

 

 




[1]  مثل كتابي: نقد العقل العملي وأسس ميتافيزيقا الأخلاق،  ومقال "عن الحق المزعوم في الكذب بدافع إنساني".
[2]   منار الفلسفة, نص كانط "الواجب إكراه حر"، ص 185
[3]  المرجع نفسه
[4]  مباهج الفلسفة،  نص كانط " الواجب كأمر أخلاقي قطعي وخالص"، ص 175

هناك 4 تعليقات:

  1. شكرا، لكن حاولوا ان يكون اكتر اختصارا

    ردحذف
  2. ممتاز لاكن من الافضل ان يكون اكتر تلخيص ،قرأة ممتعة وشكراا

    ردحذف